بشرّ الفيلسوف محمد إقبال بولادة باكستان، قبل أن تولد على كرسي جسداً، كما حصل مع سليمان. ونفذها محمد علي جناح عام 1947م، وولدت طرحاً بعملية قيصرية، كلفت عشرات الملايين من أرواح الناس، ونمت، وشهدت توترات كان آخرها نزف دماء "بوتو" في 27 ديسمبر 2007م نسفاً. واكتمل التوتر بقنبلة نووية مثل عِجل السامري، فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار، أفلا يرون أنه لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً، اتخذوه وكانوا ظالمين. ظهر ذلك على شكل نكتة لم يضحك لها أحد، حين هجم الجيش الأميركي على أفغانستان؛ فقالت باكستان إننا على سلاحنا النووي خائفون. واليوم يكرر الإيرانيون تجربة الباكستانيين، فيخرجون قنبلة نووية شيعية، كما أخرج اليهود قنبلة نووية صهيونية، ومن قبل الأميركيون قنبلة نووية باسم الثالوث المقدس؛ الآب والأبن والروح القدس (ترينتي ـ Trinity) ولم يكن للقنابل يوماً دين. تشكلُ باكستان كان مفعماً بالتوترات، ظهر ذلك واضحاً في إنشطار الدولتين إلى باكستان وبنجلاديش؛ فالجغرافيا لا تعرف دولة رأسها في الإسكيمو ورجلاها في جزيرة سخالين بآلاف الكيلومترات، فكان محكوماً عليها بمزيد من التوتر، وباكستان النووية إذا عادت فانشطرت من جديد إلى باكستان وطالبستان فلا غرابة. وحين يحكم الجنرالات؛ فالخيار هو بين الفوضى والديكتاتورية، كما هي في فوضى العراق. وهو أمر مضحك جداً كما لو طلبت من شخص هل يفضل أن نقتلع عينه اليمنى أم اليسرى. لقد طلب مشرف يوماً من إحدى الجماعات الإسلامية أن تصلح له الفساد الإداري الحكومي، بعد أن وصلت رائحته حواف كوكب عطارد، قالت له الأفضل أرسلهم معنا أربعين يوماً، في رفقة سفر فتحسن أخلاقهم، ولا نسرق وظائفهم، فيصلحون وتصلح الحكومة، ونحن نبقى في منأى من وحل السياسة. لقد وصفت مجلة "شبيجل" في العدد الأول من عام 2008 "بوتو" أنها تذكر بجاذبية "فيتا بيرون" وصلابة "تاتشر" وذكاء هيلاري كلينتون، ولكن حيث رافقها المراسل الصحفي زكمت أنفه رائحة الفساد والوساطة والمحسوبية والعشائرية في مجتمع ما زال يعيش في ظلام القرون الوسطى مع سلاح نووي من جهنم. وحين يصبح ابن بوتو بعمر 19 سنة وريث عرش الحزب يهيئ نفسه لانتقام دموي، فهو يحكي قصة الوراثة في كل مستوى، من دون أمل كبير في التغيير. وحسب رؤية مالك بن نبي نقلا عن "تشرشل" ثعلب السياسة البريطاني، أنه كان حريصاً على ولادة باكستان، في جو الرحيل البريطاني، فالناس الشطار يصطادون عصفورين بحجر، أما هو فثلاثة؛ في إنهاك القارة، ووقف الزحف الشيوعي، وإيقاف تبدل القارة إلى الإسلام. أما غاندي، الذي يذكر بيوحنا المعمدان، يلف حقويه بخرقة، ويأكل جراداً وعسلاً بريا وكأس ليمونادة بعد الصيام، فكان يزمع السفر إلى باكستان بعد ولادتها، ليثبت لكل من المسلمين والهندوس أن نفس الشيطان يعشش في صدور الاثنين، ولكن رصاصة التعصب أزهقت أنفاسه كما يقتل فيروس تافه إنساناً نبيلاً. إن دماء "بوتو" التي كانت ميتة على قيد الحياة، كما هو حال نواز شريف وبرويز مشرف، تروي قصة التوتر الباكستاني والدهاء الأميركي، وجنون التعصب الديني، فقد شنق أبوها من قبل، ونسفت هي مزعاً من بعده، وربما يلحق بها ساسة آخرون مقتولين بالطبنجة والغدارة والخنجر المعقوف بطريقة باشتونية.