في الوقت الذي تشهد فيه دول العالم المتحضر بروز وحدات واتحادات لتعزيز دور الدول في عصر العولمة والمنافسة الدولية نرى الوطن العربي وأقطاره تتمزق وتنتشر فيه الولاءات القبلية والطائفية على حساب الوطن والمواطنة.. والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة أبرزها ما يحدث في العراق من تمزق النسيج الاجتماعي والحرب الأهلية غير المعلنة بين الطوائف، وبروز القبائل العربية كقوة جديدة يطلق عليها "قوات الصحوة"، وما يحدث في لبنان والسودان من تمزق قبلي وطائفي بعد مرور سنوات طويلة من الاستقلال والممارسة الديمقراطية في لبنان. الخليج ليس أفضل حالاً من بقية الدول العربية، فقد نشرت الصحف الكويتية الأسبوع الماضي هذا الإعلان "بيان من قبيلة عتيبة.. قرر شيوخ قبيلة عتيبة في دولة الكويت بأن القبيلة سوف تخوض انتخابات مجلس الأمة القادمة لنيل مقعدين في الدائرة الخامسة، ولم يتم التحالف مع أي قبيلة أو طرف آخر، وليس لأحد حق التفاوض والتصريح باسم القبيلة سوى شيوخها". واضح أن الإعلان يمهد لإجراء انتخابات فرعية لأبناء القبيلة لاختيار عدد من المرشحين يمثلون القبيلة في الدائرة المذكورة. والسؤال: لماذا ارتد المجتمع العربي إلى عصبيات قبلية وطائفية في عصر الانفتاح الاقتصادي وانتشار الديمقراطية والحرية وانهيار الولاءات الضيقة؟ لماذا طغت الولاءات القبلية بعد مرور حوالي نصف قرن من الاستقلال والممارسة الديمقراطية في بعض البلدان العربية (لبنان- الكويت)؟ هنالك أسباب كثيرة لعودة القبيلة أهمها غياب السلطة المركزية القوية، فعندما تقوى السلطة (الحكومة) تضعف القبيلة، والعكس صحيح. والسبب الثاني هو فشل سياسات الاندماج التي اتخذتها الحكومات، لذلك صمدت القبيلة وحافظت على وحدتها رغم قيام الدولة الحديثة. هل يعود سبب صمود وقوة القبيلة إلى قوتها الذاتية، أم بسبب فشل قيام الدولة الحديثة؟ الدولة في الوطن العربي فشلت في خلق هوية أو رابطة مشتركة، وانتماء يحل محل القبيلة. استمرار بعض الدول العربية، ومنها دول الخليج، في دعم المفاهيم القبلية التقليدية أدى إلى هدر وإفراط مفهوم المواطنة. فرغم كل التحولات الاجتماعية والاقتصادية منذ اكتشاف النفط، لم تنجح دول الخليج في القضاء على المفاهيم القبلية التقليدية، بل ساعدت على استمرارها وبقائها لمحاربة الأفكار القومية أو الليبرالية. لقد بقي مفهوم المواطنة في دول الخليج سراباً لارتباطه بالمنافع التي تجلبها المواطنة بدون أي مساهمة فعلية أو مشاركة حقيقية في قضايا التنمية والتطور. لقد بقيت مجتمعات الخليج على طابعها القبلي التقليدي رغم كل الإنجازات التي حققتها الثروة النفطية، فالدول الخليجية رغم حداثتها الظاهرية والشكلية لا تزال تدعم وتؤازر المفاهيم القبلية. ورغم وجود الديمقراطية والانتخابات الحرة التي من المفترض أن تعزز مفاهيم الدولة والولاء لها من خلال المواطنة إلا أن الحقيقة المرة هي أن الحكومات عززت التضامن القبلي بإعطاء القيادات القبلية دوراً اجتماعياً وسياسياً من خلال أجهزتها المختلفة خصوصاً تعيين أبناء القبائل في المؤسسات الأمنية (الجيش والشرطة). إن بدء الحياة النيابية في الكويت عام 1961 ساعد على تقوية التضامنيات القبلية، فالسلطة السياسية تضامنت مع القبيلة لإيصال أبناء القبائل للبرلمان لكسب تأييدهم داخل مجلس الأمة. التعليم والتطورات الاجتماعية والسياسية في الكويت أدت إلى تعلم أبناء القبائل وانخراطهم في الحركات والأحزاب السياسية العاملة في الكويت خصوصاً جماعات وأحزاب الإسلام السياسي، مما أوصل العديد من النواب إلى قبة البرلمان بسبب انتمائهم القبلي وتبنيهم أيديولوجية الإسلام السياسي. وأخيراً، هل نجحت دول الخليج في تحويل أبناء القبائل إلى مواطنين، أم أن القبيلة تحولت إلى دولة؟