لماذا أخفقنا في تطوير قيم الديمقراطية؟ كان من الممكن للحركات الوطنية والتحررية في الوطن العربي أن تتعلم من إخفاقاتها وتجارب الآخرين إلا أنه من الثابت أن الإشكالية ليست اختياريه بقدر ما هي إفراز لواقع اجتماعي معقد لم تتمكن هذه القوة من التحرر من قيده، وهي بالتالي مارست دورها ضمن هذا الواقع دون محاولة منها للخروج منه. المتفحص للساحة العربية يلاحظ مدى الإخفاقات في التوسع في الثقافة الديمقراطية ففي لبنان والعراق والكويت وغيرها من الدول العربية تتقاطع الولاءات بين القبيلة والطائفة والعائلة، وتستمد القوى التحررية فكرها من قواعدها الاجتماعية، ولم تتمكن من كسر قيد الاحتكار الاجتماعي، وفشلت في تطوير مفهوم المواطن وعلاقته بالدولة ليس لأنها لا تريد بقدر ما أن هذه العلاقات تخدم أهدافها كما هو الحال بالنسبة للنظم الحاكمة في علاقتها مع مختلف التكوينات الاجتماعية. قد يمكننا تقييم التجربة الديمقراطية الكويتية من قراءة مستقبل الديمقراطية في البلاد العربية، حيث بدأت هذه التجربة تتعرض للتهديد من خلال أدواتها المتعارف عليها، وتحولت الديمقراطية إلى مصدر قلق وخوف على المستوى الشعبي، وليس فقط على مستوى النظام السياسي. وما يميز الديمقراطية الكويتية أن المعارضة على مر تاريخها، لم تسْعَ إلى تغيير نظام الحكم، بقدر ما كانت تسعى إلى تقنين عملية المشاركة في اتخاذ القرار، وبالتالي فهي ديمقراطية عقلانية، وكان من الممكن أن تتطور إلى صيغ متقدمة، تحافظ على حقوق جميع الأطراف، من دون أن تخل بالمعادلة التقليدية في تقاسم السلطة، إلا أن ما بدأ يهدد النموذج الكويتي هو ذلك الخليط القبلي الديني الذي ظهر من تيارات الإسلام السياسي. ذلك لأن الانتماء القبلي يتلاقى بالانتماء الأصولي الديني في مواجهة حضارة الغرب وثقافته، وقد قوي هذا الترابط بين البعدين القبلي والديني خلال فترة المد القومي الذي شهدته المنطقة العربية، وقد لعبت بعض من نخب الحكم دوراً في تأسيس هذا التلاقي، على اعتبار أن أوراق اللعبة من الممكن التحكم فيها إلى ما لا نهاية. التيار القبلي يجد قوته من خلال الدين أو تيارات الإسلام السياسي، حيث تمكن من نشر أفكاره وقيمه التي فرضت نفسها على المدينة، والحال نفسه بالنسبة لتيارات الإسلام السياسي التي وجدت في القبيلة تعضيداً لمبادئها وأفكارها. وأمام التحالف القبلي الديني وجدت جماعات المدينة نفسها محاصرة وغير قادرة على التحرك لنشر أفكارها. والتهديد الذي بدأ يلوح في الأفق هو أن التيارات الدينية الأصولية تأخذ من الديمقراطية وسيلة لنشر أفكارها، وذلك بالرغم من عدم قناعتها بقواعد اللعبة الديمقراطية، فهي في نهاية المطاف، تسعى إلى قيام الدولة الدينية التي ترى فيها المخرج من المأزق الذي يواجه الأمة العربية والإسلامية. إن أزمة الديمقراطية في الكويت مرجعها غياب رؤية حكومية حول شكل المستقبل الذي تنشده للبلاد، فتذبذب رؤاها جعلها فريسة سهلة للتحالف القبلي الديني. فالإسلاميون يصرون على أنهم يمثلون تطلعات الأمة، وهم يسعون كما يقولون لتحقيق العدالة والمساواة وحكم الشريعة الإسلامية، وقد يكون بعض هذا جيداً، إلا أن التعبير عنه أثار مخاوف عميقة لدى المجموعات التي تختلف معهم، حيث أثبتت التجارب العربية أن استبعاد الآخر أصبح عادة عربية سواء جاءت من التيارات الدينية أو المدنية. أما القبليون فهم يطمحون إلى تحقيق مراكز قوى في المجتمع، باعتبار أن مجتمع المدينة أبعدهم عن مراكز صنع القرار، وبالرغم من زيادة أعداد المتعلمين، إلا أنهم ما زالوا حبيسي الوهم، بأن ما حظوا به هو القليل مما أخذه مجتمع المدينة.