أصبح من المألوف في عصر العولمة تسمية هذا العصر بعصر "الأمركة". بمعنى أن هيمنة الثقافة الشعبية التي أسسها الأميركيون باقتدار خلال تاريخهم القصير نسبياً على الثقافات الوطنية أو القومية, قد أصبحت نوعاً من القدَر الحتمي الذي لا يمكن تجاهله, الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول مدى قدرة الثقافات الوطنية على الصمود في وجه المتغيرات التي فرضتها متطلبات العولمة. ولا مجال للإنكار بقوة الثقافة الأميركية في مختلف المجتمعات العربية والإسلامية, سواء تجسد ذلك في ملابس الجينز, أو القبعة (الكاب) مع الرموز المختلفة التي تزين واجهتها، واعتياد شرب القهوة السوداء الجاهزة كل صباح, أو مطاعم "الفاست فود" مثل برغر كينج والبيتزا الأميركية (رغم أن البيتزا إيطالية المنشأ) التي تفوق فيها الأميركيون بجدارة, مروراً بدجاج كنتاكي, وأخيرا وليس آخراً, مايكروسوفت وآبل وياهو وغوغل, تضاف إلى هذا كله هيمنة هوليوود بإنتاجها السينمائي الضخم المستند الى قدرات تقنية عالية الحرفية وتنوع فذ قل نظيره لدى الدول الأخرى, حتى قيل إن أوروبا حكمت التاريخ, وأميركا تحكم, بل وتتحكم بالمستقبل. في ظل هذه الهيمنة المتوحشة الجميلة في آن معاً، أصبح مصطلح "الغزو الثقافي" الذي يطنطن به العرب العاجزون ليل نهار لتبرير تقاعسهم وخمولهم الحضاري, من مخلفات الماضي, لأن الهيمنة الأميركية اجتاحت وبكل ضراوة, الثقافات الأوروبية التي شكلت معظم الثقافات الوطنية, وحتى علم الاستشراق أصبح أميركياً. وغني عن القول إن استبدال القهوة الأميركية بالشاي قد أصبح شائعاً في المملكة المتحدة وقاضياً على "شاي الساعة الخامسة", كما قضت صناعة السينما الأميركية على صناعة الأفلام الأوروبية. بل إن الممثلين الأوروبيين لا يستطيعون تحقيق الشهرة والمال إلا في استوديوهات هوليوود... لقد "تأمركت" الحياة على سطح الكرة الأرضية، وباختيار الشعوب جميعاً. المؤسف في عالم العرب أن تأثير الثقافة الشعبية الأميركية قد توقف عند الاستمتاع بالمنجزات المادية لهذه الثقافة، والبقاء على السطح دون سعي جاد لتبني الوجه الآخر لهذه الثقافة الأميركية, كالتعليم الجامعي حيث تحتل الجامعات الأميركية قائمة أول مائتي جامعة على مستوى العالم, أو منهجية التفكير. فالعرب يريدون كل شيء على الجاهز. وبالتالي يغدو من الطبيعي أن تنتشر الثقافة الشعبية الأميركية في العالم العربي, لكننا بإزاء نسخة تايوانية غير قادرة على التحمل.