في الأسبوع الماضي خططت حركة "حماس" الفلسطينية المسلحة لعملية هروب جماعي هائلة من قطاع غزة إلى مصر، شارك فيها مئات الألوف من سكان القطاع الذين تفرض عليهم إسرائيل حصاراً خانقاً منذ سنوات. وهذا الهروب أو الخروج الكبير في الحقيقة، عزز من الدعم الشعبي لـ"حماس" في أوساط المصريين، وبدأ يغير الخريطة السياسية للمنطقة. ألم يحن الوقت بعد كي تجد الولايات المتحدة طريقة للتعامل مع "حماس" سواء بشكل مباشر أو غير مباشر؟ كيف يمكن للرئيس بوش أن يحقق هدفه الخاص بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة هذا العام إذا كانت إدارته تواصل ضخها للطاقة والأموال من أجل سحق "حماس" التي أظهرت الأحداث مراراً وتكراراً أنها تحظى بدعم قطاع كبير من الشعب الفلسطيني؟ نعم، لقد ارتكب جناح "حماس" المسلح عبر السنين العديد من أعمال العنف، التي تستحق الانتقاد واللوم، ولكن يجب أن نضع في اعتبارنا أن ذلك لم يقتصر على "حماس" فقط ، وإنما شمل منظمات وحركات أخرى عديدة في الشرق الأوسط ، بما في ذلك بالطبع الجماعات المسلحة العاملة في العراق، والتي تتعامل معها الولايات المتحدة في الوقت الراهن، بل وتقوم بتمويلها وتسليحها لمواجهة تنظيم "القاعدة" هناك من جهة وتمويل بعضها الآخر لإقناعه بالمشاركة في العملية السياسية في العراق. و"حماس" الفلسطينية تختلف عن الجماعات والمنظمات العاملة في العراق، والتي تتميز بأنها حديثة التكوين حيث نشأت الغالبية العظمى منها بعد الغزو الأميركي للعراق وسقوط النظام السابق هناك، في حين أن "حماس" حركة سياسية واسعة النطاق تكونت منذ عدة عقود. وتختلف هذه الحركة عن تلك الجماعات والمنظمات الأخرى في العراق في أنها حصلت على شرعيتها من خلال انتخابات برلمانية جرت عام 2006 وحصلت فيها "حماس" في الضفة الغربية وغزة على 76 مقعدا من إجمالي 132 مقعدا. لعلنا نتذكر أن الولايات المتحدة، قد دعمت تلك الانتخابات، ولكنها وبدلاً من التعامل مع قادة "حماس" المنتخبين حديثاً حصرت واشنطن وتل أبيب اتصالاتهما بـ"محمود عباس" زعيم حركة "فتح" وشجعتاه على اتخاذ خطوات ضد "حماس" وأنصارها. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أقدمت إسرائيل على القبض على بعض أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني والمئات من أنصارهم، وزجت بهم جميعاً في سجونها. وفي العامين الأخيرين، أحكمت إسرائيل الحصار الاقتصادي على غزة التي تعد معقل حركة "حماس" من خلال إجراءات كانت تزداد قسوة تكررت مرات عديدة. وقد جاء التضييق الاقتصادي الأخير على القطاع، لكي يفجر الوضع ويدفع الفلسطينيين للهروب من سجن غزة الكبير إلى سيناء المصرية المجاورة يوم الثالث والعشرين من يناير الجاري، وذلك بعد أن استخدم المسلحون الفلسطينيون الألغام الأرضية والمواد الناسفة لهدم أجزاء كبيرة من الجدار الحدودي الممتد بين القطاع ومصر، والذي يبلغ طوله 7 كيلو مترات. وبعد هدم الجدار تدفقت جيوش من سكان القطاع الذين يبلغ تعدادهم 1.5 مليون نسمة، الذي يئن تحت وطأة الحصار إلى مصر لشراء كل شيء تقريباً "الطعام وغاز الطهي والأدوية... الخ". وتحت وطأة هذه الأعداد الكبيرة، لم تجد قوات الأمن المصرية القليلة العدد من سبيل أمامها سوى التراجع أمام الطوفان البشري المتدفق عبر الحدود. ثم جاءت التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، التي اندلعت في عدة مدن مصرية في اليوم الذي سبق التدفق الفلسطيني على الحدود المصرية، وقد ظهر للرئيس مبارك أنه ربما يجد نفسه مضطراً لدفع ثمن سياسي باهظ ،إذا استمر في التعاون مع إسرائيل في حصارها على غزة. في السادس عشر من يناير الجاري، قابلت قائد الجناح السياسي لمنظمة "حماس" خالد مشعل في مكتبه الذي يتمتع بحراسة مشددة والواقع في العاصمة السورية دمشق، وقال لي إن "حماس" مهتمة بالتوصل إلى وقف إطلاق نار مع إسرائيل على الرغم من أن إسرائيل ترفض هذه الفكرة رفضاً تاماً. وقال لي مشعل أيضاً إن منظمته التي تحتفظ منذ زمن طويل بعلاقات وطيدة مع جماعة الإخوان المسلمين المصرية المحظورة التي تمثل قوة المعارضة الرئيسية في مصر، تعتبر الدعم الذي تحظى به في الشارع العربي رصيداً مهماً لها. ومما قاله لي مشعل إن "حماس" تسعى إلى تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية وأنها "ليست ضد الشعب الأميركي وإنما ضد الإدارة الحالية، وهي أيضاً ليست ضد المصالح الأميركية، لأن من حق كل دولة في العالم أن يكون لها مصالحها الخاصة، بشرط ألا يكون هذا على حساب الشعوب الأخرى". إن توصيف وزارة الخارجية الأميركية لـ"حماس" بأنها منظمة أجنبية إرهابية قد تسبب في مشكلات كبيرة للمنظمة كما اعترف لي خالد مشعل، الذي قرن اعترافه هذا بتأكيد مؤداه أن سياسات الولايات المتحدة ذاتها، قد تأثرت بشدة بسبب ذلك حيث وجدت نفسها تخوض حروبا خاطئة. شأنه في ذلك شأن قادة "حماس" السابقين أعرب مشعل عن رغبته في الدخول في هدنة تمتد لعدة عقود مع إسرائيل إذا ما وافقت إسرائيل أولاً على الانسحاب إلى حدودها قبل 1967 وكذلك الانسحاب من القدس، وإذا ما احترمت حقوق اللاجئين الفلسطينيين. والشروط التي وضعها مشعل للدخول في هدنة مع إسرائيل ليست بالشروط السهلة، التي يمكن لإسرائيل الوفاء بها، وليس من المتوقع أن يتعهد أي زعيم إسرائيلي بالوفاء بها في أي وقت خلال المستقبل القريب. لدى "حماس" فرصة أكبر في النجاح، إذا ما حصلت على وقف إطلاق نار أكثر محدودية في العمليات العسكرية المتبادلة بينها وبين إسرائيل. فأي وقف لإطلاق النار من هذه النوعية سيكون له تأثير إيجابي قوي على غزة وعلى جنوب إسرائيل. أيضاً إذا ما تمكن سكان غزة من البدء في الاتصال بقدر أكبر من الحرية مع الاقتصاد العالمي عبر مصر، فإن وضعهم سيحظى بمزيد من الاستقرار. خلال رحلة بوش الأخيرة إلى الشرق الأوسط، قال بعض الأشياء التي نرحب بها حول رغبته في تحقيق سلام إقليمي، ولكن يجب أن نعرف أنه لا أحد يستطيع بناء مثل هذا النوع من السلام مع الاستمرار في استبعاد، (والدخول في حرب شرسة مع) حركة سياسية كبيرة راسخة الجذور مثل "حماس". واشنطن بحاجة إلى العثور على طريقة تتحدث بها إلى قادة تلك الحركة، وأما أصدقاؤهم التقليديون في مصر، فيمكن أن يساعدوا في فتح قناة للاتصال بالحركة. سكان غزة وسكان المدن الجنوبية في إسرائيل على حد سواء يحتاجون من واشنطن أن تساعد- لا أن تعوق- التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل. هيلينا كوبان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"