يوم الأحد الماضي شاهدت أنا وعائلتي مباراة لكرة القدم بين غانا التي تستضيف بطولة كأس أفريقيا لكرة القدم ونيجيريا، وهي المباراة التي انتهت بفوز غانا على نيجيريا بصعوبة بالغة لتصعد إلى الدور قبل النهائي للبطولة. عقب المباراة شاهدت مؤتمراً صحفياً حضره مدرب غانا الذي لم أكن أعرفه بالطبع وفوجئت بأنه رجل أبيض، وليس أفريقياً كما كنت أعتقد. وليس مدرب غانا هو الوحيد الأبيض، بل إن هناك 11 مدرباً من بين الـ16 الذين يشكلون مجموع مدربي الفرق المشاركة من البيض أيضاً، وهو ما يعني أن 75% من مدربي المنتخبات الأفريقية ليسوا أفارقة. وبالنسبة لمشاهد أميركي مثلي، يمثلُ ذلك واحداً من أكثر الجوانب غرابة في الدورة أو في "الحمى الكروية" المحتدمة في غانا، والتي أطلقت طوفاناً من مشاعر الانتماء والفخر بالأوطان. فقد قالت صحيفة "أكرا ديلي جرافيك" الغانية اليومية في افتتاحيتها الصادرة عقب فوز الفريق الغاني على نظيره النيجيري:"لقد نجحت النجوم السمراء في تأجيج مشاعر الوطنية والاتحاد ووحدة الهدف بين جماهير الشعب الغاني.. ونأمل أن تستمر الجماهير في رفع العلم، وعلى الاتشاح بألوانه والتعبير عن مشاعر الوحدة والحب لكافة الإثنيات التي تعيش داخل حدود وطننا العزيز". هنا يقفز إلى الذهن سؤال: "مع كل هذا الحب للوطن والحدود الوطنية، ما الذي يدعو لإحضار مدرب للفريق الوطني من خارج الحدود؟". الإجابة لن تكون مريحة. فعلى الرغم من كل تلك الخطب والأحاديث عن الانتماء الوطني التي ترتبط بمباريات كرة القدم الدولية، يجب ألا ننسى أن كرة القدم في حد ذاتها ميراث كولونيالي، وأن إيثار المدربين الأجانب على الوطنيين هو أيضاً من مواريث الكولونيالية، لأنه يعكس الأثر الباقي لدى الأفريقيين منذ ذلك العهد، وهو أنهم لن يصلوا يوماً من الأيام إلى مستوى سادتهم الأوروبيين. علينا هنا أن نتذكر تلك المشادة التي اندلعت بين "ستيفن كيشي" مدرب توجو، وبين واحد من نجوم فريقه كان قد هدد بترك الفريق بسبب عدم إشراكه لوقت كافٍ في إحدى المباريات. وعندما سأل الصحفيين المدرب عن سبب تلك المشادة قال:"إن اللاعب لا يحترمني لأنني مدرب أسود، ولو كنت أبيض لكان قد تعامل معي بقدر أكبر من الاحترام". ينطبق هذا أيضاً على الجدل الذي ثار بشأن ما فعله اللاعب المصري أحمد حسام الملقب بـ"ميدو" الذي نعت مدربه القومي حسن شحاته بلفظ غير لائق خلال مواجهة علنية اندلعت بين الاثنين عقب احتجاج اللاعب على تبديله. وهذه المواجهة التي شاهدها الملايين من المشجعين أكدت الحقيقة نفسها وهي"أن لاعبي القارة السمراء لا يحترمون مدربهم إذا ما كان أفريقياً". وكانت المفارقة الكبرى في هذا السياق أن المدرب حسن شحاته كان هو الرجل الذي قاد فريقه للفوز بكأس الأمم الأفريقية عام 2006. ولم يكن شحاته هو الوحيد في ذلك، حيث نجد أن 12 فريقاً من بين الفرق الخمسة والعشرين التي فازت ببطولة كأس الأمم الأفريقية منذ انطلاقها أي نصف عدد الفرق تقريباً كان يشرف عليها مدربون أفارقة، وهو ما يعني أنه من الخطأ أن نقول: إن الفرق الأفريقية لا يمكن أن تنجح في تحقيق البطولة عندما يشرف عليها مدربون وطنيون. على الرغم من ذلك، فإن الناس يستمرون في قول الشيء نفسه؛ ففي كل مرة كنت استقل فيها سيارة أجرة، كنت أسأل السائق لماذا لا يختار الفريق الغاني مدرباً وطنياً كي يشرف على تدريبه؟ وفي كل مرة كنت أتلقى الإجابة نفسها:"إن كبار اللاعبين المحترفين في الفريق الغاني يلعبون مع أندية أوروبية، يدربها مدربون أوروبيون، وقد اعتادوا على ذلك ومن الصعب إقناعهم بالاستماع إلى مدرب وطني". والشيء المحزن أن الكثير من هؤلاء اللاعبين الذين يرفضون أن يدربهم مدرب من بني وطنهم تعرضوا أثناء احترافهم في الأندية الأوروبية التي يلعبون لها إلى هتافات عنصرية من المشجعين. فالمشجعون في إسبانيا على سبيل المثال، كانوا يقلدون صوت الحمار لإخافة اللاعب الكاميروني الشهير "صموئيل إيتو" الذي يلعب في فريق برشلونه الإسباني، والذي أصبح مؤخراً أكثر لاعب أفريقي يحرز أهدافاً في تاريخ البطولات الأفريقية. ومنذ عامين وفي إحدى مباريات الدوري الإسباني هدد اللاعب نفسه بترك الملعب بعد أن تصاعدت هتافات عنصرية مهينة ضده من المدرجات. ولكنّ اللاعبين الأفارقة الذين يحتجون على الهتافات العنصرية يساهمون بتصرفاتهم ومواقفهم في تغذية هذه المشاعر العنصرية. وهل هناك عنصرية أكثر من الادعاء بأن السود غير قادرين على تدبير أمورهم بأنفسهم سواء في كرة القدم أو في أي شيء آخر. هناك مفارقة أخيرة هي أنه عندما استقلت غانا عام 1957 حرص الزعيم الغاني التاريخي "كوامي نكروما" على تشجيع كرة القدم بنفسه، واعتبرها أداة للفخر الوطني، وقال في كلمة له في ذلك الوقت: "عندما يتمكن الأفارقة من هزيمة الأوروبيين في هذه اللعبة الكولونيالية فإنهم سيحولونها حينئذ إلى لعبة تنتمي لهم هم وليس لغيرهم فقط، وحينها سيؤكدون استقلالهم الذهني عن حكامهم السابقين". لقد كان نكروما على حق ولكن ليس تماماً؛ فعلى الرغم من أن كرة القدم قد تحولت فعلاً، وكما تنبأ إلى محور تدور حوله الوطنية الأفريقية كما أظهرت الاحتفالات التي أقيمت في غانا مؤخراً، إلا أن اللعبة لا تزال حتى الآن في أيدي كولونيالية، وهو ما ينطبق أيضاً على الكثير من المشجعين الأفارقة. وما عليكم سوى أن تلقوا بنظرة أخرى إلى قائمة المدربين الموجودين كي تدركوا ذلك. جوناثان زيمرمان ـــــــــــ أستاذ التاريخ والتربية بجامعة نيويورك وينفذ حالياً برنامج الدراسة في الخارج الذي تديره الجامعة في أكرا. ـــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"