هناك سؤال إقليمي كبير الآن: هل يساهم اغتيال عماد مغنية، والمكان والزمان والطريقة التي اغتيل بها في قلب دمشق، في تفجير حالة الاحتقان والمواجهة الحادة بين المشروعين الأميركي والإيراني وتوابعهما، وهما مشروعان ما فتئا يتخذان من الشرق الأوسط، أو بكلمة أدق من المشرق العربي، مسرحاً كبيراً للمواجهة، من الكويت التي شهدت فرزاً طائفياً استفز السُّنة والعديد من الشيعة بإقامة مجلس عزاء وتأبين لعماد مغنية بقيادة اثنين من النواب الكويتيين الشيعة، ما استفز مشاعر الكويتيين بسبب ما اقترفه عماد مغنية من خطف طائرة كويتية قبل عشرين عاماً، وقتل اثنين من ركابها الكويتيين، ومحاولة اغتيال أمير الكويت عام 1985، وسط مطالبات نيابية وشعبية بإسقاط عضويتهما، وحتى مطالبات بإسقاط جنسيتهما كما حصل لسليمان أبو غيث أحد قياديي "القاعدة". وتمتد تداعيات مقتل مغنية من الكويت إلى لبنان ومن تل أبيب إلى بغداد، ومن دمشق إلى واشنطن وطهران، في تسعير للمواجهة التي يهدد أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله بجعلها حرباً مفتوحة، وتغيير قواعد اللعبة التي بدأتها إسرائيل بإسقاط الجغرافيا، مما يقربنا أكثر إلى مشهد حرب في المنطقة بدأت ترتسم خطوطها بشكل واضح في أكثر من مكان وتصريح وموقف. وتبرز الساحة اللبنانية مسرحاً حياً للمواجهة في استمرار تبادل الاتهامات بين حلفاء واشنطن والمشروع الأميركي، حيث يصف قادة "الموالاة" اللبنانية "المعارضةَ" ومن بينها "حزب الله" بـ"العصابات المُلحقة بالنظام السوري"، ويصفون سوريا وإيران وحلفاءهما بـ"عصابة الشر الأسود". في ما تفشل المبادرة العربية بانتظار إشهار شهادة وفاتها، بعد أن أجَّل عمرو موسى زيارته لبيروت. والحقيقة أن الصراع بين المشروعين كان صارخاً في تقسيمه للبنانيين في "14 فبراير" الحالي في ساحة الشهداء ببيروت في الذكرى الثالثة لاغتيال الحريري، التي تزامنت مع دفن عماد مغنية قائد العمليات العسكرية لـ"حزب الله". وما يزيد من القلق أكثر هو فشل الحل العربي، كما كان متوقعاً. وعدم "إنضاج الحل" برفض حكومة المثالثة. ومطالبة السعودية والكويت مواطنيهما بعدم الذهاب إلى لبنان، هذا إضافة إلى تهديد بقصف السفارة الكويتية في بيروت، وإغلاق فرنسا لمركزين ثقافيين هناك. وقد يسرع اغتيال مغنية انفجارَ صاعقِ المواجهة ولو تأخرت مؤقتاً ضد إسرائيل، ومن ورائها واشنطن، اللتين غيرتا قواعد اللعبة. وربما المؤشر الأهم هنا هو إصرار السيد حسن نصرالله على أن اغتيال مغنية: "يجب أن يؤرِّخ لمرحلة بدء سقوط دولة إسرائيل، وسيخرجها دم مغنية من الوجود". وهو ما أكد عليه الرئيس الإيراني مرات عديدة، وكرره قبل أيام قائد الحرس الثوري الإيراني جعفري في رسالة بعث بها إلى الأمين العام لـ"حزب الله". وقد سكب الرئيس بوش زيتاً على سعير هذه المواجهة بتشديده العقوبات على سوريا، من خلال فرض عقوبات على شخصيات سياسية سورية بينها رامي مخلوف ابن خال الرئيس بشار الأسد، ومضاعفة الدعم المالي الأميركي للمحكمة الدولية المكلفة بالتحقيق في اغتيال الحريري إلى 14 مليون دولار. وقد ردت سوريا بأن لديها خيارات كثيرة للرد على العقوبات الأميركية. إيرانياً وأميركياً، عبرت إيران عن موقفها الغاضب من اغتيال مغنية بطريقة غير مباشرة. حيث شارك منوشهر متكي بحضور مراسم العزاء في بيروت، وجاء في رسالة قائد الحرس الثوري الإيراني لأمين عام "حزب الله" ما يفيد أن إسرائيل"جرثومة سرطانية" ستتم إزالتها. كما أعلنت طهران عن زيارة الرئيس أحمدي نجاد إلى بغداد (تحت الحماية الأميركية)، وعلقت دون إلغاء اجتماع الخبراء الإيرانيين مع الطرف الأميركي في بغداد، وإن عاد التصعيد بين الطرفين باتهامات أميركية عن زيادة "دعم إيران للجماعات المارقة في العراق"، ما قد يهدد بعودة دائرة العنف لتتزامن مع سحب 5 فرق أميركية من بلاد الرافدين الصيف القادم. ومن ثم توريط الأميركيين إذا عاد الشأن العراقي المرفوض شعبياً للصفحات الأولى في الصحف ووسائل الإعلام، مما قد يبدد فرص "جون ماكين" مرشح الحزب "الجمهوري" في الفوز بماراثون البيت الأبيض. فهل يصبح اغتيال عماد مغنية فعلاً بمثابة كرة الثلج "المشتعلة" التي تنحدر من قمة الجبل، وتقرِّب المنطقة من حرب مدمرة أخرى قد تكون أسوأ من سابقاتها، ومن خلالها يتم حسم الصراع بين المشروعين الأميركي والإيراني، على أن نبقى نحن العرب ضحايا لهذا الانفجار الكبير، وبيادق على رقعته المحترقة، ومسرحاً دامياً لتداعياته؟ هذا هو السؤال المرير الخطير.