باتت المحافظ المالية الوهمية إحدى الإشكاليات، بل التحدّيات المطروحة على الجهات المعنيّة في الدولة في الآونة الأخيرة، بعد توالي سقوط أصحاب هذه المحافظ والكشف عن المزيد منها يوماً بعد آخر، وبعد اكتشاف التمدّد الكبير لأصحاب هذه المحافظ ونجاحهم في التغلغل بين المواطنين والمقيمين، على مدى السنوات الماضية، في ظل ضعف الرقابة على ممارسة نشاط توظيف الأموال. "مصرف الإمارات المركزي" من جانبه اعترف بأنه لا يمتلك أي إحصاءات دقيقة حول العدد الإجمالي للمحافظ التي تعمل في الدولة، وأن المصرف لا يمتلك بيانات إلا عن شركات الاستثمار المالية المرخصة، ودعا المواطنين والمقيمين إلى إبلاغ الجهات المختصة في حال اشتباههم بأي محفظة استثمارية خاصة غير مرخصة؛ أما أعداد ضحايا هذه الشركات فقد باتت بالآلاف حتى الآن، الأمر الذي يعتبره فريق من الخبراء انعكاساً لـ"سيكولوجية البحث عن الثراء السريع". أما "مجلس أبوظبي للتطوير الاقتصادي" فيرى أن هذه الظاهرة ناجمة بالأساس عن عوامل عدة منها فائض السيولة النقدية لدى الأفراد، وأن هناك شحّاً في منافذ الاستثمار المجدي، بموازاة ضعف الوعي الاستثماري لدى شريحة واسعة من هؤلاء الأفراد. لا تضارب بين مجمل التفسيرات المطروحة لظاهرة "التوظيف الوهمي" للأموال، باعتبار أن كلاً من هذه العوامل التفسيرية قد لعب دوراً ما في استفحال الظاهرة وتغلغلها بين أفراد المجتمع، لدرجة أن بعض التقارير الإعلامية ذكرت أن إحدى المحافظ الاستثمارية غير المرخصة قد جمعت نحو 7 مليارات درهم من آلاف الأشخاص في إحدى إمارات الدولة! والأكثر أهمية من ذلك أن بعض الخبراء الماليين يحذرون من أن ما تمّ الكشف عنه، حتى الآن، ليس سوى "قمة جبل الجليد"، وأن بعضاً من "المحافظ الوهمية" يفوق بمراحل ما تمّ الكشف عنه مؤخراً. توافر السيولة في الأسواق عامل أساسي يغذي هذه النوعية من الأنشطة الوهمية ويشجع أصحابها على توسيع عملهم والإيقاع بمزيد من الضحايا، ومن هنا تبرز أهمية التوصية الصادرة عن "مجلس أبوظبي للتطوير الاقتصادي" بشأن ضرورة مواجهة هذه الظاهرة عبر حزمة من الإجراءات والضوابط التي تستهدف تشجيع عملية الاستثمار في قنوات تخدم الاقتصاد الوطني وتتفادى شبح الاحتيال وبيع الوهم للأفراد، ومن هذه القنوات تشجيع المشروعات الخاصة الصغيرة. وفي هذا الإطار أكّد المجلس، في تقرير له، أنه من الضروري عدم الاكتفاء بتقديم الحوافز المشجعة بل من الضروري أيضاً إيجاد الفرص الاستثمارية المجدية، مع ضرورة وجود سوق ضخمة ومتطورة للسندات كوسيلة لامتصاص جانب من فائض المعروض النقدي لدى الأفراد. ويبقى رهان آخر على الوعي لدى أصحاب الشأن أنفسهم من المودعين، الذين يغامرون ويبحثون عن فرص الربح السريع وتغريهم المكاسب الطائلة واللافتة للنظر أيضاً في آن واحد، عن التيقن من وجود غطاء رسمي لأصحاب هذه الأنشطة، بل ويواصلون المغامرة، رغم مسلسل الكشف عن الشركات و"المحافظ الوهمية"، على أمل الحصول على مزيد من الأرباح. "التوظيف الوهمي" للأموال يستحق وقفة جادة من الجهات المعنيّة كافة، للكشف عن مدى تغلغل أصحاب هذه المحافظ ومدى انتشارهم، ووضع الضوابط الكفيلة بتنظيم هذا القطاع بشكل دقيق، خصوصاً في ظل وجود مخاوف ناجمة عن استمرار فائض الأموال، بما يغري مغامرين جددا بالانخراط في عمليات احتيال على المواطنين والمقيمين، أو يسهم في تمسك بعضهم ببقاء أموالهم لدى "محافظ وهمية" لم يتم الكشف عنها بعد، رغم ما ينطوي عليه هذا السلوك من مجازفة غير محسوبة. مسؤولية مواجهة نشاط "التوظيف الوهمي" للأموال تقع على كاهل جميع الجهات المعنيّة بالدولة، خصوصاً أن المسألة تتعلق بنشاط اقتصادي غير مرخص يمكن أن ينال، ولو نسبياً، من أجواء الثقة والشفافية التي يتسم بها الاقتصاد الوطني.