منذ ولادة الطفلة "لويز براون" في عام 1978 باستخدام أسلوب التلقيح أو الإخصاب خارج الرحم، والمعروف بأطفال الأنابيب، ظلت نسبة النجاح المتمثلة في حصول حمل في النهاية، إحدى أهم العقبات التي تشغل اهتمام المتخصصين في هذا الأسلوب الطبي الفريد. فبين يدي الخبراء، لا تزيد فرصة نجاح (دورة العلاج) في تحقيق الحمل عن 25% فقط. وهو ما يعني أنه من بين كل أربع نساء يخضعن للعلاج، تحمل واحدة منهن فقط، بينما تعود الثلاث الأخريات إلى بيوتهن حاملات الحزن والإحباط فقط. وتتعدد وتتنوع الأسباب المعروفة التي يمكن أن تزيد أو تقلل من فرص حدوث الحمل، بينما تظل حزمة أخرى من الأسباب عسيرة الفهم على الأطباء. أحد تلك الأسباب التي طالما كانت موضع الشك، هو التوتر، المعروف عنه تسببه في آثار سلبية على العديد من وظائف وأعضاء الجسم. وهو ما جعل الأطباء يشكّون في أن التوتر المصاحب للخضوع للعلاج بأسلوب التلقيح خارج الرحم، ربما كان هو نفسه سبباً في فشل هذا العلاج. وهي الشكوك التي دحضتها عام 2005، دراسة أجرتها مجموعة من العلماء في السويد، ونشرت في إحدى الدوريات الطبية المتخصصة (Human Reproduction). فمن خلال متابعة 166 امرأة يخضعن للعلاج، لم يجد العلماء علاقة تذكر بين درجة توترهن وبين معدلات حدوث الحمل. ولكن هذا لا يعني وجود علاقة بين العلاج وبين التوتر، والذي أحياناً ما ينتهي بالاكتئاب في الحالات التي لا يقع فيها الحمل. ويمكن أيضاً للتبعات المالية للعلاج، الذي غالباً ما يكون باهظ التكاليف، أن تفضي هي ذاتها إلى حالة من التوتر تنتهي بالاكتئاب. وبخلاف التعامل المباشر مع الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى نجاح أو فشل التلقيح خارج الرحم، عمد بعض الأزواج إلى استخدام بعض أساليب الطب التقليدي، وخصوصاً الوخز بالإبر الصينية (Acupuncture)، لزيادة فرصهم في الحصول على ذرية، بناء على أن هذا الأسلوب يستخدم في الصين بالفعل منذ قرون، لعلاج حالات العقم ولزيادة الخصوبة. ويزعم ممارسو هذا الأسلوب، أنه يحقق درجة من الاسترخاء، وزيادة في تدفق الدم إلى الرحم، مما يحسِّن فرص الجنين المزروع في الالتصاق بجدار الرحم، واستكمال الحمل. ولكن في بداية الأسبوع الماضي، وضمن فعاليات المؤتمر الأوروبي للعُقم، أظهر خبراء من أحد المستشفيات الكبرى بالعاصمة البريطانية (Guy’s and St. Thomas)، عدم وجود أي دليل على تأثير الوخز بالإبر الصينية في احتمالات نجاح أو فشل التلقيح خارج الرحم. فمن خلال تحليل نتائج 13 دراسة شملت 2500 امرأة، لم يكن هناك فرق يذكر بين من استخدمن الوخز بالإبر الصينية، وأولئك اللواتي لم يستخدمنه. وأمام هذه الشكوك، ووسط تجاذب الرأي والرأي الآخر، يعمد الأطباء إلى زيادة فرص الحمل، من خلال زيادة عدد الأجنة المخصّبة التي يزرعونها في الرحم. فبعد أخذ عدة بويضات من الزوجة، وتخصيبها في أطباق المعامل للحصول على عدة أجنة، تتم زراعة جنينين أو أحياناً ثلاثة أو أربعة في رحم الأم، على أمل أن يتمكن أحدهم من الالتصاق بجدار الرحم واستكمال الحمل. هذا الأسلوب، على رغم أنه يزيد بالفعل من فرص حدوث الحمل، إلا أنه يحمل في طياته مشكلتين أساسيتين، إحداهما أخلاقية، والأخرى طبيّة. فعلى الصعيد الأخلاقي، تمثل الأجنّة الباقية من التلقيح المتعدد معضلة أخلاقية، من حيث المصير الذي تنتهي إليه، والذي غالباً ما يكون إلى سلة النفايات الطبية، أو ثلاجات أحد المراكز المتخصصة في أبحاث الأجنة، كمراكز أبحاث الخلايا الجذعية الجنينية. وهذه النهاية في رأي البعض، تمثل نوعاً من الإجهاض المُقنَّع، والمُحرَّم شرعاً وقانوناً. أما على الصعيد الطبي، فكثيراً ما ينجح عدة أجنة في الالتصاق بجدار الرحم، لينتج نوع من حمل التوائم (Multiple Pregnancy)، قد يصل أحياناً إلى ثلاثة أو أربعة أجنة في نفس الوقت. ومثل هذا الحمل المتعدد، كثيراً ما يفضي إلى إجهاض الأجنة جميعها، أو إلى مضاعفات خطيرة أثناء الولادة، أو إلى ولادة أطفال مُبتسرين، أو مضاعفات صحية خطيرة، تظل ترافق المواليد الجدد بقية حياتهم. وفداحة هذه المخاطر تظهرها حقيقة أن 60% من التوائم الناتجين عن أسلوب التلقيح خارج الرحم، يتطلبون رعاية خاصة في وحدات العناية المركزة بعد ولادتهم. وتزداد أيضاً احتمالات الوفاة في العام الأول بين التوائم، بمقدار الخمسة أو الستة أضعاف، مقارنة بحالات ولادة مولود وحيد. وأمام انتشار أسلوب زراعة عدة أجنة لتأمين حدوث الحمل قدر الإمكان، وتعدد ما ينتج عن ذلك من مضاعفات، عمدت بعض الدول، مثل بريطانيا، إلى وضع حد أقصى لعدد الأجنة التي يمكن للأطباء زراعتها في نفس الوقت. فحاليّاً، تلد 25% من النساء اللواتي خضعن للعلاج، توائم متشابهة أو غير متشابهة، وهو الرقم الذي تسعى الحكومة البريطانية لخفضه إلى 10% فقط بحلول عام 2010. ولكن للأسف، لا يقابل هذا الاتجاه بالكثير من الحماس من قبل الأطباء، أو من الآباء. ففي رأي بعض الأطباء، وهم أقلية، أن المشاكل الناتجة عن الحمل والولادة المتعددة، قد تم تضخيمها بشكل مبالغ فيه. بينما يسعى الآباء المحرومون من الذرية إلى الحصول على أطفال بأي ثمن، مما يضطر بعضهم أحياناً إلى رهن بيوتهم، وبيع مجوهراتهم وسيارتهم، لتغطية تكلفة العلاج. وهو ما يجعلهم أيضاً مستعدين لخوض المجازفة المتمثلة في المضاعفات الطبية التي تترافق مع زراعة، وحمل، وولادة عدة أطفال في نفس الوقت. وخصوصاً في ظل عدم دراية أفراد المجتمع الطبي بجميع عوامل النجاح، أو أسباب الفشل، التي تعيقهم عن الحصول على ما يسر قلوبهم، وما تقر به عيونهم.