للأسف نحن في الكويت كثيراً ما تكون استجاباتنا سريعة لأي قضية تُدان فيها دولتنا، وربما مثال الاتجار بالبشر واتهام الكويت جعل وزير الشؤون يدلي بتصريح مفاده أنه يجب أن توقع عقوبة الإعدام على من يتاجر بالبشر. الاتجار بالبشر مشكلة عالمية والمستفيد منها الدول الأوروبية، وهي مشكلة ذات أبعاد مرتبطة بالاقتصاد العالمي. تشير التقارير العالمية إلى أن أكثر من 20 مليون طفل تم الاتجار بهم خلال السنوات العشر الماضية، وأن أكثر من مليون طفل وامرأة يتم الاتجار بهم، وأن الدول الصناعية وحدها تستورد 5 ملايين طفل للتبني وأغلبهم يأتي من أفريقيا وأميركا اللاتينية وشرق أوروبا. وقد قدرت منظمة العمل الدولية في آخر تقرير لها أن الأرباح وصلت من هذه التجارة إلى ما يقارب 28 مليار دولار، وأن أكثر الضحايا هم من النساء والأطفال. وتعتبر جريمة الاتجار بالبشر ثالث جريمة في العالم بعد جريمتي المخدرات والسلاح. وتؤكد التقارير الدولية أن الاستغلال الجنسي للنساء والأطفال وإخضاعهم لخبرة نفسية مؤلمة، وخصوصاً أن هناك نوعاً من الاتجار بالبشر يختص بتحقيق الرغبات الجنسية للشواذ من الرجال. نحن في الكويت لدينا هذه المشكلة، وهي تتجسد في الإقامات ونظام الكفيل واستيراد عمالة مهمشة تترك في الشوارع وخصوصاً هؤلاء العاملين في الدعارة، ممن يتم القبض عليهم بين فترة وأخرى في منطقة جليب الشيوخ. ونحن في الكويت نُلقي القبض عليهم دون البحث في أسباب المشكلة ومن يقف وراءها، وخصوصاً أن هناك من يشيع بأن ثمة عصابات كويتية أو تجارا كويتيين يقفون وراءها. ونعتقد بأن وزارة الداخلية على علم بتعقد الجريمة، ولكن علاجها قاصر حيث لا تصل أيديها إلى التجار الحقيقيين. وفي أميركا وحدها تم تحرير مجموعة كبيرة من الأطفال ممن خضعوا إلى التعذيب الجنسي، مما يؤكد عالمية المشكلة، وأنها مشكلة تعاني منها جميع دول العالم، وأنه لا يمكن اتهام الكويت فقط، في الوقت الذي نجد فيه أن للمشكلة أبعادها العالمية. اتهام الكويت له بعده السياسي، وهو نوع من التدخل في الشأن الداخلي، حيث هناك منظمات دولية مسؤولة عن هذا النوع من الجرائم وليس الولايات المتحدة التي تعاني من مشاكل عديدة نعتبرها مهينة لحقوق الإنسان. ولكن مبدأ القوة هو السائد، فهي دولة لا يعنيها ما يُكتب دولياً عن مخالفاتها لميثاق حقوق الإنسان ولا نعتقد أنه يجب أن ننساق بسرعة في الاستجابة أو نقع تحت هاجس الخوف حيث علينا مواجهة أي إساءة أياً كان نوعها تمس حقوق الإنسان انطلاقاً من إيماننا الراسخ بأن الإسلام حرص على عدم استغلال العوز البشري. نحن نعرف أن كثيراً من الدول العربية لديها هذه الممارسات، ولكن ليست مثل ما يحدث في أوروبا، فألمانيا على سبيل المثال تعتبر من الدول التي يقوم اقتصادها على الدعارة، وهي من الدول المعروفة في استيراد النساء لممارسة الدعارة من شرق أوروبا. ودولة مثل تايلاند مشهورة باستغلال الأطفال للجنس، وبالتالي هي مشكلة عالمية وسبق للولايات المتحدة أن وجهت اتهامات مشابهة لبعض دول الخليج، واعتقد أن دول الخليج تسعى لتحسين سجلها في حقوق الإنسان ولا تحتاج إلى الحراسة الأميركية. الولايات المتحدة الأميركية تهمل كل الانتقادات الدولية، ولا تبالي بما يُوجه إليها من انتقادات، بل وأحياناً كثيرة تسخر من هذه الانتقادات حيث تعتبر نفسها فوق كل نقد. نحن علينا ألا نشعر بالخوف عندما تنتقد أميركا، ويجب أن نعرف أن هناك كما قلنا منظمات دولية تراقب كل اختراق لحقوق الإنسان، وهي الجهة المسؤولة التي يجب التواصل معها.