بينما انشغل السياسيون وحماة البيئة بالنقاش حول الطرق الأمثل للحد من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري، عرف العالم تغيرات عدة، ومن ذلك أن الارتفاع السريع في أسعار النفط والغاز على مدى العام الماضي جعل النقاش حول انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري في غير محله، إذ قد تتراجع هذه الغازات، ليس بسبب القوانين والتنظيمات والمراسيم، وإنما بسبب نظام اقتصاد السوق! وهناك عاملان وراء هذا التغير الكبير: أولهما ارتفاع أسعار الوقود التقليدي (النفط والغاز والفحم)، وثانيهما انخفاض كلفة مصادر الطاقة البديلة النظيفة، مثل توربينات الرياح والألواح الشمسية التي تحول أشعة الشمس إلى طاقة، نتيجة التطور المضطرد لتكنولوجيا الطاقة النظيفة. والنتيجة هي انخفاض كبير في كمية الغازات المسببة للاحتباس الحراري دون الحاجة إلى تمرير أي تشريع إضافي. كيف وصلنا إلى هذه المرحلة؟ السبب إذن هو الأسعار والتكنولوجيا. فقد خلق الارتفاع الهائل في أسعار المحروقات والفحم، مظلة أسعار تستطيع التكنولوجيا المتنافسة أن تزدهر وتتطور في ظلها. ونتيجة لذلك، تطورت طاقة الرياح النظيفة بشكل كبير. ففي السنوات الخمس الماضية، تم بناء توربينات هوائية بقدرة تفوق 5 ميغاوات في ولاية تكساس لوحدها، لذلك تمثل طاقة الرياح، خلال الأيام التي تهب فيها الرياح، نحو 10% من الإمدادات الكهربائية بهذه الولاية. واليوم، لا يتجاوز سعر الطاقة الهوائية 7 سنتات للكيلو وات ساعة، مقارنة بنحو 17 سنتاً قبل بضع سنوات. والواقع أن تكساس ليست الولاية الوحيدة التي تشهد هذا الإقبال، فعبر أرجاء الولايات المتحدة، شهدت أسعار الكهرباء ارتفاعاً كبيراً بالنسبة للسكان والشركات. غير أن هذا الارتفاع خلق بالمقابل فرصة ذهبية بالنسبة لتكنولوجيا الألواح الشمسية والتي شهدت أسعارها انخفاضاً على مدى العقود القليلة الماضية، ويبدو أنها مقبلة على طفرة حقيقية. ذلك أن ارتفاع أسعار الكهرباء بما لا يقل عن 30% هذا العام لن يعمل إلا على التعجيل بقدوم مرحلة "إقلاع" بالنسبة للألواح الشمسية. ففي نيويورك، يُتوقع أن ترتفع أسعار الكهرباء بسرعة إلى 30 سنتا للكيلووات ساعة. بالمقابل، يمكن استرداد ما تكلفه الألواح الشمسية على أسطح المنازل خلال أقل من 10 سنوات، بل سيؤدي إلى عائد يفوق 10% من التكلفة الرأسمالية، وهو ما يجعله استثماراً مربحاً. وهكذا يُنتظر أن تزداد مساهمة الرياح والشمس في مصادر الطاقة الكهربائية الوطنية، ولعل الفائدة التي لا تقل أهمية تتمثل في كونهما لا ينتجان أي غازات مسببة للاحتباس الحراري. أما التغير الكبير الآخر القادم بسرعة، والذي سيحول الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى موضوع من الماضي، فهو قدوم السيارة الكهربائية. فالتطور الذي تشهده تكنولوجيا البطاريات، يعني أن السيارات الكهربائية الهجينة ستخرج أخيراً إلى الطرقات في غضون السنوات العشر المقبلة. وخلال العقدين أو الثلاثة عقود المقبلة، يُتوقع ألا تبقى هناك سيارات بمحركات احتراق في الأسواق. ولما كان الغازولين يمثل أكثر من ثلث الطلب العالمي على النفط، فإن ظهور السيارات الهجينة يمثل تغيراً كبيراً لما له من تداعيات على كمية الغازات المسببة للاحتباس الحراري المنتَجة في العالم. فتشغيل السيارات الهجينة أرخص بكثير مقارنة مع سيارات اليوم، حيث يُتوقع أن تستهلك ما يعادل سِنْتين من الكهرباء لقطع ميل، مقارنة مع 25 سنتاً التي يكلفها قطع ميل بسيارة متوسطة تشتغل بالغازولين. هذا وفي حال لاقت هذه السيارات إقبالاً كبيراً من قبل المستهلكين نظراً لكلفة تشغيلها المنخفضة، مثلما يُتوقع أن يحدث، فإن ما سينتج عن ذلك من انخفاض في الغازات المسببة للاحتباس الحراري، سيمثل فائدة عظيمة جداً، فائدة كان يعتقد المؤتمِرون في "كيوتو" أنها لن تتحقق إلا عبر اعتماد قوانين وتنظيمات صارمة. والواقع أن هذه التغيرات لن تقتصر على الولايات المتحدة، وإنما ستشمل العالم بأسره، حيث ستعرف هذه التكنولوجيا إقبالاً كبيراً لأنها أرخص من نظيراتها التي تشتغل بالمحروقات. ولذلك، فيمكن القول إن العالم القديم الذي كان يحرق الغازولين أو الفحم من أجل توليد الطاقة وتشغيل السيارات بات في طريقه إلى الزوال لأنه مكلِّفٌ جداً. وقد لا نبالغ إذا قلنا إن الشيء الوحيد الذي يمكن أن تستعمل من أجله المنتجات النفطية خلال العقود المقبلة، هو تشغيل الطائرات والسيارات الثقيلة والسفن. وبالتالي، فكل ما هو مطلوب من الأشخاص الذين يريدون خفض الغازات المسببة للاحتباس الحراري، هو بعض الصبر إلى أن يتم تبني هذه التقنيات من قبل السوق. وتأسيساً على ما تقدم، يمكن القول إن ثمة ما يبعث على الأمل، وسط هذا الارتفاع في أسعار المحروقات. فارتفاع الكلفة يتسبب في تغير كبير يُنتظر أن يؤدي إلى انخفاض الغازات المسببة للاحتباس الحراري خلال العقود القليلة المقبلة. فالتغيير في طريقه إلينا اليوم، ولن يزداد إلا سرعة مع التقدم التكنولوجي الذي هو قادم بالتأكيد. جيمس تيش ---------- مدير شركة "لوز كورب" العاملة في مجال الطاقة ---------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"