الحريق الذي شبّ في إحدى البنايات في أبوظبي منذ أيام وأسفر عن إصابة نحو 67 شخصاً بينهم 14 رجل إطفاء، لفت النظر إلى قضية مهمّة تتعلّق بمدى توافر إجراءات الأمن والسّلامة في البنايات السكنية والتجارية. فرغم الجهود الكبيرة التي بذلها الدفاع المدني للسيطرة على الحريق واستخدامه أحدث الأجهزة المخصّصة للتعامل مع الحرائق، فإن عدم تجهيز البناية بوسائل الأمن والسّلامة، قد عوّق عمل أجهزة الإطفاء وبالتالي كان مسؤولاً عن العدد الكبير من الإصابات التي حدثت. من هنا تأتي أهمية تصريحات اللواء الركن محمد سالم بن كردوس العامري، مدير عام الدفاع المدني، للصحافة المحلية مؤخراً بأن هناك قانوناً جديداً للدفاع المدني في مراحل إعداده النهائية يفرض على البنايات المختلفة التزام إجراءات ومعايير الأمن والسّلامة وإلا تعرّضت لعقوبات وغرامات مالية رادعة، بالنظر إلى أن القانون الحالي لا يخدم إدارات الدفاع المدني في ردع غير الملتزمين من أصحاب البنايات بهذه المعايير أو الإجراءات. هناك الكثير من مظاهر المخالفة لمقتضيات الأمن والسّلامة التي يمكن أن نجدها في الكثير من البنايات، أول هذه المظاهر وأخطرها هو غياب أو ضعف أجهزة الأمن والسّلامة؛ مثل أجهزة الإنذار ضد الحريق أو خراطيم المياه المخصّصة لإطفائه أو مخارج الطوارئ وغيرها، وهذه المخالفة توجد غالباً في المباني القديمة، حيث تحرص المباني الحديثة على أن تزوّد نفسها بهذه الأجهزة. ثاني المظاهر يتعلّق بلجوء بعض ملاّك البنايات، في محاولة لاستثمار الارتفاع الكبير في أسعار الإيجارات، إلى تسكين أسطح بناياتهم رغم أن هذه الأسطح غير مخصّصة للسكن أصلاً، وبالتالي يتم إنشاء بعض الغرف الخشبية التي تكون مصدراً خطراً من مصادر الحرائق. ثالث المظاهر يتعلّق بالاستغلال السيئ لشقق البنايات وغرفها من أجل إسكان أكبر عدد ممكن فيها، حيث يتم اللجوء إلى تقسيم الغرفة الواحدة إلى غرف صغيرة عدّة وتقسيم الشقة إلى شقق عدّة باستخدام مواد قابلة للاشتعال ودون أي مراعاة لإجراءات الأمن أو السّلامة بما يزيد من احتمالات اشتعال الحرائق. المسح الذي سوف تقوم به إدارات الدفاع المدني للبنايات في الدولة لتحديد البنايات المخالفة والتعامل معها وفقاً للقانون الجديد، وفقاً لتصريحات مدير عام الدفاع المدني، سوف يكون محورياً في الوقوف على حجم المشكلة وطبيعتها وحصرها وبالتالي التعامل الفاعل معها، خاصة بعد أن كثرت الحرائق في البنايات وأصبحت أجهزة الإطفاء، رغم حداثتها وكفاءة القائمين عليها، تجد صعوبة كبيرة في التعامل مع بعضها بسبب افتقار البنايات التي تشبّ فيها إلى إجراءات الأمن والسّلامة. المسألة هنا تتعلّق بأرواح الناس وممتلكاتهم، لذلك فإنه من المهم التعامل معها بحزم وقوة، حيث يزيد غياب إجراءات الأمن والسلامة من الخسائر البشرية والمادية في الحرائق. لا شكّ أنه من المهم أن يحرص الناس على عدم السكن في البنايات التي لا تأخذ بمعايير الأمان، إلا أنه تحت ضغط مشكلة الإسكان والارتفاع الكبير في أسعار الإيجارات، فإن هناك من يضطرون للقبول بالسكن في أي مكان دون النظر إلى هذه المعايير، لذلك فإن التعويل الكبير هو على القانون الجديد الذي يتم إعداده من أجل ردع ملاّك البنايات المخالفة ومنعهم من تعريض أرواح سكانها وسكان البنايات المجاورة وممتلكاتهم، إضافة إلى رجال الدفاع المدني أنفسهم، للخطر. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.