"كتابات معاصرة": سلطة الكلام --------------- اشتمل العدد الأخير من فصلية "كتابات معاصرة" على ملف بعنوان سلطة الكلام، تناول العادة النطقية ووظيفتها الاجتماعية، وضم الملف ثلاث دراسات، في إحداها يحلل بوبكر فراجي الظاهرة الكلامية، من منظورات سوسيولوجية وفلسفية ولسانية وسيكولوجية، محاولاً التنظير لمفهوم كلامي جديد يسميه "الهدرة"، كبديل سلبي عن الكلام. ويقوم الكاتب بتصنيف العملية الكلامية في ثلاثة مواطن رئيسية تمنح الكلام خصائصه المميزة؛ ففي "مجالس العلم" تكون الأفعال التمريرية الكلامية محددة تماماً، أي من النوع الإثباتي الذي يؤمن قائله ومتلقيه بصحته. وفي مجالس الدين تتميز الأفعال الكلامية التمريرية بالإلزامية، أما في الخطب السياسية فالعملية الكلامية هي من النوع التوجيهي، أي الذي يحاول جعل المستمع يتصرف بطريقة تلائم المحتوى الخبري للتوجيه. ومن ذلك يخلص الكاتب إلى أن كل كلام لا يتصف بالإثباتية أو الإلزام أو التوجيه أو الحركية والتغيير أو تحديد مصير الفرد والجماعة، هو "هدرة"، أي بديل سلبي عن الكلام، كحديثنا في المقاهي وفي الملاعب الرياضية. وفي دراسة أخرى عن "اضطراب اللغة والكلام من الجاحظ إلى جاكوبسون"، يبين الطيب بن جمعة أن الجاحظ ربما كان أول من تعامل مع هذه الظاهرة طرحاً ومعالجة، إذ قدم نماذج تطبيقية لأمراض الكلام، وبحث في أسبابها، وتجاوز دراسة الوظيفة اللسانية إلى دراسة الموضوع النفسي والعصبي باعتبارهما مرتبطين بالبحث اللساني، كما اهتم بالبنية اللسانية وما يتفرع عنها من وحدات دالة وغير دالة، أما جاكوبسون فقد اهتم بدراسة حالات أمراض الكلام التي تؤدي إلي فقد القدرة على التكلم، محاولاً تحديد أسبابها ووسائل علاجها، بالاعتماد على الرؤية الطبية واللسانية. وفي دراسة عن "الخطاب الصوفي بين الهوية والاختلاف"، يتوقف أحمد بوزيان عند العلاقة بين ذلك الخطاب وأداته اللغوية، فيلاحظ أن اللغة هي مادة التصوف لكنها أيضاً عدوه الأكبر، فهي أداة المتصوف التي لا يستغني عنها في التوصيل والتبليغ، لكنها تتحول أمامه إلى عقبة في وجه إنتاج المعاني الصوفية، فاللغة لا تستطيع الكشف إلا ضمن ما تم التعارف عليه من المحسوس، ولهذا السبب يقع الصوفي في المحظور من حيث أراد اجتنابه، فيجد الخطاب المؤسسي ذريعة لنفي الخطاب الصوفي وجعله في ذهن الآخر مرادفاً للضلال والزندقة والكفر! ----------------- Survival وهم الأحادية القطبية قضايا دولية عدة شملها العدد الأخير من دورية Survival التي تصدر كل شهرين عن "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" في لندن. فتحت عنوان "حرب بدون منتصرين" يقول أوكساندو أنتونينكو إنه من الصعب فهم السبب الذي دعا الرئيس الجورجي ميخائيل سكاشفيلي إلى تحويل الحرب الباردة إلى أخرى ساخنة، حيث كان من الأفضل له كثيراً، أن يعمل على بذل جهد في اتجاه حشد تحالف دبلوماسي دولي للضغط على موسكو لتحقيق الأهداف التي كان يتوخاها من شن الهجوم على أوسيتيا الجنوبية، وأنه لو كان قد فعل ذلك، لكان الآن في حال أفضل كثيراً، ولما كان قد تعرض لتلك الهزيمة المذلة التي جعلته يفقد المصداقية، ويبدو في صورة القائد المتهور الذي لا يقدر خطورة ما هو مقدم عليه، والذي يجعل حلفاءه الوثيقين في واشنطن يوجهون له الانتقادات اللاذعة، لإقدامه على إشعال أزمة دولية، وإتاحته فرصة ذهبية لروسيا لإجراء تجربة عملية على مفهوم التدخل فيما تسميه "جوارها القريب". وتحت عنوان "طغيان الرؤي الزائفة: وهم الأحادية القطبية الأميركية"، يقول ديفيد بي. كايلو، إن الخيال السياسي الأميركي، وعلى مدى العقدين الأخيرين، سيطر عليه وهم جيوبوليتيكي خطر مؤداه أن الولايات المتحدة، هي القوة المهيمنة الوحيدة في النظام الدولي، وأن الذي غذى هذا الوهم هو سلسلة من الأحداث والوقائع والتطورات السياسية على مدار قرن كامل من الزمان، كان من أهمها انتصار الغرب بقيادة أميركا في الحرب العالمية الثانية، ثم انتصارها هي ذاتها على عدوها الاستراتيجي وهو الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة. ويرى الكاتب أن الخطورة في تبني هذا الوهم تكمن في أن الولايات المتحدة لا تفهم بالضبط كم تبدو رؤيتها العالمية انقلابية ومتطرفة، وتحمل في طياتها تهديدات مبطنة لمختلف دول العالم، وأن وجود عالم تسيطر عليه قوة وحيدة معناه أن هذا العالم غير متوازن. وتكمن الصعوبة التي تواجهها أميركا في نظر الكاتب أنها تجد نفسها عاجزة عن تبني رؤية أخرى غير الرؤية الأحادية، كما تبدو غير قادرة على رؤية باقي دول العالم الأخرى، وبعد أن رأت ما حل بالمجتمع الدولي بسبب تلك الأحادية، تتطلع إلى عالم آخر متعدد الأقطاب.