يرى خبراء كثيرون أن الاستجابات السياسية لانهيار الاقتصاد المالي كانت ترقيعية إلى حد كبير، ولم يكن لها سوى فائدة ضئيلة في معالجة المسائل الأساسية، وأنها قد أدت إلى حد ما إلى زيادة مشاعر الخوف وعدم الاستقرار، بدلًا من التقليل منها. وكان من المغري في نطاق ذلك، أن يعتقد البعض أنه قد يصبح من الأفضل العودة إلى نظام الضوابط الحكومية المتوازنة للاقتصاد، على الرغم من أن أي خطة لاستخدام ضوابط جديدة سوف تحتاج إلى سنوات لوضعها موضع التطبيق، والتأكد من كفاءتها. ونحن -ببساطة- لا نمتلك مثل هذا الوقت، وإنْ كنا نوافق في الوقت نفسه على أن تحسين درجة شفافية المشروعات التجارية بشكل كبير، يمكن أن يؤدي فوراً إلى تحسين الطريقة التي تقوم بها شركات القطاع الخاص بقياس الربح، والتعامل مع بعضها بعضاً. ونقطة البداية الملائمة لذلك -من منظورناـ هي جعل بيانات العوائد الضريبية للشركات متاحة للجمهور، وليس فقط لـ"مصلحة العوائد الضريبية". منذ خمس سنوات خلت، أوشك نظام الضرائب الفيدرالية -أو كادـ على الخروج عن دائرة السيطرة. وكان لذلك سببان تضافرا معاً في ذلك الوقت، وهما ضعف عملية المتابعة الضريببة من قبل "مصلحة العوائد الضريببة"، وتآكل المعايير المهنية، لدى العديد من العاملين في مجال الضرائب. في عام 2003، عملت المصلحة على تغيير هذا المسار إلى الاتجاه المعاكس، بمساعدة من وزارة العدل الأميركية، ومن العديد من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب من الحزبين، غير أن ذلك لم يؤد إلى زيادة كبيرة في الموارد الضريبية. في ذلك الوقت، عملت المصلحة على بناء برامجها الخاصة المتعلقة بتنفيذ القوانين، والتي ركزت على استنباط وتطوير أدوات جديدة، ومتابعة الممولين الضريبيين، الذين تجاوزوا الحدود، وملاحقة المسؤولين الفاسدين في مصلحة الضرائب، كما بذل المسؤولون في المصلحة قصارى جهدهم لتحقيق معادلة الحزم والعدالة في ذات الوقت. وكانت النتائج التي تم التوصل إليها مقبولة بصفة عامة على الأقل من ناحية استئصال بعض من أسوأ الممارسات التي كانت سائدة في هذا المجال. إن تحقيق المزيد من الالتزام بالقواعد والمعايير العامة، وتدعيم برامج متابعة المتهربين، لا توصلنا إلى أكثر من هذا. فما يحدث في مثل هذه الأوضاع عادة، هو أن المنظمين والمشرعين غالباً ما يكونون غارقين إلى آذانهم في الواجبات اليومية لوظائفهم، وغير قادرين، على متابعة كل ما يحدث حولهم، وذلك بسبب درجة التعقيد المحيطة بالصفقات المالية، والإيقاع السريع الذي تتم به، وبسبب التناقضات القائمة بين منظومات الضرائب الفيدرالية من جانب، والمحلية من جانب، وبين الموارد المتاحة من جانب ثالث. وأي زيادة كبيرة في المنظومة التنظيمية لن تكون مكلفة فحسب، ولكنها يمكن في نقطة معينة أن تشكل انتهاكاً للمنظومة المالية برمتها بشكل يلحق بها الضرر. لا يمنع هذا من القول إننا بحاجة إلى المزيد من الضوابط القانونية، ولكن يجب أن يكون معلوماً أن زيادة هذه الضوابط يمكن أن يخلق إحساساً مبالغاً فيه بالأمان، وقد يكون معدوم الفائدة إذا لم يتم إجراء تغييرات في الطرائق التي تقوم بها المؤسسات بتقييم الخطر، والتعامل مع بعضها بعضاً. وكشوف العوائد الضريبية، تشمل معلومات مهمة عن المؤسسات تتجاوز بكثير المعلومات التي عادة ما تكون متاحة في المستندات التي تضم البيانات المالية العادية. وإتاحة كشوف العوائد الضريبية الخاصة بالشركات والمؤسسات لإطلاع الجمهور، سوف توفر أداة قوية للمحللين الذين يتابعون أداء الشركات والمصانع الكبرى، كما ستساعدهم على تحليل الأخطار المتعلقة بعملها، ويساعد الجهات التنظيمية سواء الفيدرالية أو على صعيد كل ولاية على حدة، في الحصول على المعلومات واقتسامها مع الجهات الأخرى. (يُشار في هذا السياق إلى أن مصلحة العوائد الضريبية ذاتها ممنوعة من اقتسام المعلومات التي بين يديها، مع مفوضية الأوراق والمبادلات المالية، ومع وزارة العدل إلا في حالات محدودة). في الوقت الراهن، يمنح الكونجرس العديد من المنافع والمزايا للشركات والمؤسسات من خلال المواد الضريبية التي يقوم بإقرارها، ولكن معلوماته عن تأثيرها على الشركات محدودة للغاية. وإذا ما أصبحت بيانات العوائد الضريبية علنية، فإن العديد من اللاعبين غير الحكوميين قد يصبحون قادرين على تحليل المعلومات الواردة فيها بخصوص مداخيل الأفراد والشركات، ونقل ما يتوصلون إليه بهذا الصدد مباشرة إلى مشرعي القوانين. ويذهب المدافعون عن النظام الحالي إلى أن المؤسسات -شأنها في ذلك شأن الأفراد- لها الحق في المحافظة على خصوصيتها، وخصوصاً إذا ما كانت تخشى أن يُساء فهم كشوف العوائد الضريبية -سواء من قبل الجمهور الأميركي أو من قبل جهات أخرى خارجية قد يكون لها اهتمام بذلك- إذا ما تمت إتاحة بيانات هذه الكشوف على الإنترنت معاً قد يلحق الضرر بالتعاملات المالية الأميركية في الأسواق العالمية. من ناحيتي، أرى أن جعل بيانات العوائد الضريبية متاحة، سوف يرسل إشارات إيجابية مفادها أننا جادون فعلًا بشأن الإصلاح، كما سيساعد من جهة أخرى على إعادة بناء الثقة العالمية في المشروعات التجارية الأميركية ومؤسساتها المالية، وسيظهر بجلاء أننا لا نحاول فقط شراء طريق خروجنا من هذه الأزمة، والعودة إلى الوضع السيئ السمعة، الذي كان قائماً من قبل. على الأقل، يجب على الكونجرس ألا يسمح للمشروعات بالمشاركة في عمليات الإنقاذ الممولة من قبل دافعي الضرائب، إلا بعد أن نصبح نحن دافعي الضرائب قادرين على تحديد الجهة التي سوف نشترك معها. وإذا ما كان الأميركيون -في جميع الأحوال- يقدمون بشكل روتيني نسخة من عوائدهم الضريبية إلى المؤسسات المالية، قبل أن يدفعوا ما عليهم من ضرائب... ألا يتوجب على الكيانات الساعية إلى الحصول على مساعدة دافعي الضرائب أن تساعدهم على عمل نفس الشيء، على الأقل. مارك إيفرسون مفوض العوائد الداخلية في الحكومة الفيدرالية الأميركية 2003- 2007 ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"