تشهد مدينة أبوظبي تطوراً عمرانياً كبيراً ومدروساً في إطار تنفيذ مضمون "خطة أبوظبي 2030"، وهي الخطة التي تعكس رؤية طموحة لمستقبل الإمارة في هذا المجال. في هذا السياق يجيء ما كشف عنه "مجلس أبوظبي للتخطيط العمراني"، مؤخراً، من أن التطوير العمراني في أبوظبي يستهدف إيجاد أكثر من مركز للمدينة بدلاً من وجود مركز واحد لها تتركّز فيه الكثافة السكانية وما ينتج عن ذلك من مشكلات عديدة على أكثر من مستوى. هذا التوجّه نحو تعدّد مراكز المدينة يكتسب أهميته من اعتبارات عديدة مهمة. أول هذه الاعتبارات هو أن الزيادة المتصاعدة في السكان في أبوظبي تحتاج إلى استيعابها من خلال تفكير استراتيجي بعيد المدى وليس من خلال حلول وقتية أو جزئية لا تتعامل مع المشكلة من جذورها، حيث تشير التقديرات في هذا الشأن إلى أن سكان الإمارة سوف يصلون إلى نحو ثلاثة ملايين نسمة في عام 2030، بينما عددهم الحالي هو نحو مليون نسمة فقط. أي أن الأمر يتعلّق بزيادة كبيرة في السكان من المهمّ أن تكون هناك رؤية واضحة للتعامل معها ومع متطلباتها، وهذا ما يجري العمل عليه الآن. الاعتبار الثاني هو أن كثيراً من المشكلات التي تواجهها أبوظبي حالياً، وأهمها مشكلات المرور والزحام والسكن وغيرها، تعود في جانب كبير منها إلى عدم تعدّد مراكز المدينة ووجود مركز واحد تتكدّس فيه كثافة سكانية كبيرة، وبالتالي تحدث الاختناقات المرورية وغيرها من المشكلات الأخرى التي تنتج عن الزحام بشكل عام. وعلى ذلك فإن إيجاد أكثر من مركز للمدينة من شأنه أن يسهم في تخفيف الضغط على مركزها الحالي، من خلال توزيع السكان والمؤسسات التجارية والحكومية على مراكز متعددة، وبالتالي المساهمة الكبيرة في معالجة كثير من المشكلات التي تعانيها أبوظبي حالياً. الاعتبار الثالث هو أن تعدّد مراكز مدينة أبوظبي من شأنه أن يحافظ على رونقها وطابعها الخاص باعتبارها العاصمة السياسية لدولة الإمارات العربية المتحدة والعاصمة الثقافية المهمّة في منطقة الشرق الأوسط كله. إضافة إلى ما سبق فإن هذا التوجّه سوف يدعم الكثير من النشاطات الاقتصادية التي تحتاج إلى توافر بيئة مواتية، مثل السياحة والاستثمار وغيرهما. فما من شك في أنه كلما كانت المدينة منظّمة وتتسم الحركة فيها بالسهولة والسيولة وتتميز شوارعها بالهدوء والانسيابية، كانت جاذبة للسائحين والمستثمرين، والعكس صحيح. على ضوء ما سبق يتضح أن التطوير العمراني لأبوظبي يسير وفق رؤية استراتيجية واضحة تم إعدادها من قبل مختصّين وفق أصول علمية دقيقة، ويعرف القائمون على تنفيذها أهدافها بدقة، لذلك فإنها تمضي في طريقها الصحيح وتتبنّى مشروعات طموحة وكبيرة، يعدّ مشروع تعدّد مراكز المدينة أحدها وليس الوحيد، حيث إن هناك العديد من الخطط والمشروعات الأخرى التي لا تقلّ أهمية أو طموحاً، تأتي في مقدمتها الخطة الخاصة بمعالجة مشكلة السكن بشكل جذري من خلال التوسّع في إنشاء المساكن التي تتناسب مع إمكانات محدودي الدخل. ــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.