إن جميع منابع الأنهار في آسيا الوسطى تتوزع في إطار "خرائط منظومة الاستغلال لموارد مياه أحواض نهري سردار وآمودار"، والتي اتفقت عليها من قبل دول المنطقة. وجمهورية أوزبكستان -كبلد يتمتع بأكثر تعداد سكاني- تحتاج إلى أكثر من 51? من الموارد المائية لأنهار آسيا الوسطى، لكن نحو 85? من الموارد المائية للجمهورية تتشكل خارج حدودها (في طاجيكستان وقيرغيزستان)، كما أن خزانات المياه الرئيسية على مجرى نهري سردار وآمودار، وكذلك بعض المشروعات الاقتصادية المائية الكبرى لأوزبكستان، تقع على الأراضي المتاخمة لتلك الدول. وفي السنوات الأخيرة، صارت بلدان آسيا الوسطى -خاصة المناطق الواقعة عند أسفل المجاري الرئيسية لنهري سردار وآمودار- تعاني من قلة المياه ومن الآثار الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن ذلك الأمر، كما أن المعالجات غير المنسجمة في إدارة الموارد المائية، تعيق التطور وتؤدي إلى كوارث بيئية، قد تصل إلى حالة الصدام. فمنذ عام 1960 تقلص سطح بحر الأرال بنسبة 43? من مساحته الأولية، كما أن جزءاً كبيراً منه أصبحت تغطيه الأملاح، وقد صار قسم كبير من سكان الأقاليم المنكوبة في حوض الأرال يعاني من أمراض العيون والصدر نتيجة للرياح المحملة بالأملاح. وتمر آسيا الوسطى حالياً بنقص مائي حاد، إذ لا تلبي مياه النهرين الرئيسيين، سردار وأمودار، سوى 70? فقط من متوسط الاستهلاك، مما يعني نقص كميات المياه الضرورية للشرب والزراعة. وتبذل أوزبكستان جهوداً كبيرة لتحسين الوضع في منطقة بحر آرال، حيث عملت على ترشيد استخدام الموارد المائية، وعلى تطبيق تكنولوجيات توفير المياه، ودعم النظم البيئية، فضلاً عن تعزيز الحماية الاجتماعية لسكان المنطقة، وجذب المساعدات الدولية وغيرها من المساعي. وقد تمكن مشاركو المؤتمر الدولي لبحر آرال الذي نظمته حكومة جمهورية أوزبكستان في مارس 2008 بطشقند، من رؤية تطور الوضع القائم في منطقة بحر آرال، ولفت المؤتمر مرة أخرى اهتمام المجتمع الدولي إلى قضية بحر آرال، ودعا إلى توحيد الجهود لتحسين البيئة والوضع الاجتماعي والاقتصادي في المنطقة. ويبقى الوضع المائي والبيئي معقداً في مجموعة البحيرات في منطقة "أرناساي"، حيث يلاحظ انخفاض منسوب المياه وزيادة ملوحتها، ما يمكن أن يؤدي مستقبلاً إلى أزمة بيئية أخرى تشمل كلاً من أوزبكستان وكازاخستان. إن ترشيد استخدام الموارد الطبيعية، وأهمها المياه والطاقة الكهرمائية، يعتبر قضية مهمة لمنطقة آسيا الوسطى. وتتباين بلدان المنطقة في طريقة استخدام الأنهار العابرة للحدود العديدة، إذ تُعد هذه القضية حساسة للغاية، مما يعقد الخطوات الجماعية فيما يتعلق بترشيد استخدام الموارد المائية، ويعرقل اطراد التطور والتنمية، ويؤدي إلى أزمة بيئية، وإلى نشوء نزاعات. وفي أوزبكستان، يعتقد المسؤولون أن جميع القرارات بشأن استخدام مياه الأنهار العابرة للحدود، بما في ذلك بناء منشآت الطاقة الكهرمائية، ينبغي ألا تلحق ضرراً بالبيئة أو بمصالح سكان البلدان الواقعة في أسفل النهر، حيث يقطن 14 مليون نسمة في مجرى أسفل نهري "أمو دريا" و"سير دريا". لذلك، فجميع القرارات المتعلقة باستخدام مسايل (مجاري) هذه الأنهار، بما فيها بناء منشآت الطاقة الكهرمائية، يجب أن تتخذ على أساس معايير القانون الدولي، وآخذاً في عين الاعتبار لمصالح السكان. إن مشاركة الطرف الثالث في حل القضية المائية في آسيا الوسطى، ينبغي أن يستند إلى عوامل موضوعية، وأن يراعي مواقف كل بلد، وأن لا يؤدي إلى تفاقم التباين بين بلدان المنطقة في هذه المسائل. وفي الوقت الراهن، فإن أكبر منشآت الطاقة الكهرمائية في المنطقة، كمحطة الطاقة الكهرمائية (توختاكول) في قيرغيزستان، ومحطتا الطاقة الكهرمائية (نوريك وقيراقوم) في طاجيكستان... والتي أنشئت في البداية بغية الري، تم تحويلها إلى نظامٍ لـ"إنتاج الكهرباء". ونتيجة لذلك، فقد زاد حجم تمرير المياه في فصل الشتاء، مما يتسبب في إغراق الأراضي الخصبة وتهدم المباني وغيرها من حالات الطوارئ التي سببت خسائر مادية بملايين الدولارات. إن لمثل تلك المخالفات لمبادئ استخدام الموارد المائية للأنهر العابرة لحدود البلدان التي تنص عليها الاتفاقات المبرمة بين بلدان آسيا الوسطى، تداعيات وعواقب، سواء على الثروة المائية أو الطاقة أو التطور الاجتماعي الاقتصادي والاستقرار السياسي لدول المنطقة. وسعياً للحصول على الأرباح التجارية من وراء تصدير الطاقة الكهربائية إلى المناطق المجاورة، يجري الآن في أعالي أنهر أموداريا وسيرداريا وزرفشان العابرة لأراضي قيرغيزستان وطاجيكستان، ودون التشاور مع الجيران، التخطيط لبناء مشاريع الطاقة الكهرمائية الكبيرة مثل محطة قمبراطين الكهرمائية في قيرغيزستان ومحطتي راغون وياوان الكهرمائيتين في طاجيكستان، دون الاهتمام بالدراسات التي بينت الأضرار البيئية لمشاريع كهذه. إنطلاقاً من الأهمية الخاصة التي تتمتع بها الموارد المائية في منطقة آسيا الوسطى، تتخذ أوزبكستان موقفاً عقلانياً من استخدام هذه الموارد المائية، وقد تقدم الرئيس إسلام كريموف رئيس جمهورية أوزبكستان خلال كلمته في جلسة مجالس رؤساء الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون المنعقدة في 16 أغسطس 2007 ملخصاً موقف بلاده فيما يلي: - إن مشاكل استخدام الموارد المائية للأنهار العابرة لحدود دول آسيا الوسطى، يجب أن تُحل عن طريق أخذ مصالح ما يزيد على 50 مليون نسمة، هم سكان بلدان المنطقة، بعين الاعتبار. - إن أية أعمال يجري تحقيقها على الأنهر العابرة لحدود الدول، يجب ألا تضر بالتوازن البيئي والمائي. يجب تقديم ضمانات تفيد بأن بناء المشاريع لن تترتب عليه عواقب بيئية سيئة. - تحقق المشاريع على أساس موقف بنّاء وحل وسط، دون عبث بمصالح الدول المعنية الأخرى. ------------ دراسة تنفرد "الاتحاد" بنشرها