تطورت الأزمة التي تهدد الاقتصاد العالمي منذ أغسطس 2007 إلى سلسلة متلاحقة من المراحل؛ وتمثلت مرحلة أكتوبر2008 في وصول الأزمة إلى الأسواق الناشئة. ومن بين التدابير والإجراءات الرئيسية المطروحة لمحاربة ما يمكن أن يصبح ركوداً عالمياً شديداً توفير خطوط ائتمان كبيرة لجميع الاقتصاديات الناشئة، التي تعيش تداعيات أزمة الائتمان، التي أصابت الدول المتقدمة، وهو موضوع يرتقب أن يكون مركزياً في اجتماع الخامس عشر من نوفمبر في العاصمة الأميركية واشنطن، الذي سيضم زعماء وزراء مجموعة العشرين للدول الصناعية والنامية. كل الاقتصاديات الناشئة تواجه اليوم صعوبات؛ غير أن المشكلة ما فتئت تزداد سوءا نتيجة إقدام البنوك الكبيرة والنشطة دولياً على تخزين السيولة، وإعادة رؤوس الأموال إلى المراكز المالية، وتقلص الناتج الداخلي الخام في البلدان الغنية. وعلاوة على ذلك، فقد فقدت بعض العملات 30 إلى 50 في المئة من قيمتها مقابل الدولار، مما أثر على ميزانيات الشركات، في حين ازداد الخطر في أسواق الأوراق المالية بشكل كبير، وبات الحصول على القروض أمراً صعباً بشكل متزايد بالنسبة للمقترضين من اقتصاديات الأسواق الناشئة. يجادل الكثيرون بضرورة التحرك بشكل منسق، وهناك من يطالب بتوفير صندوق النقد الدولي لقروض ضخمة، تكون مصحوبة بخطوط ائتمان من البنك المركزي الأوروبي، إضافة إلى البنوك المركزية لليابان والولايات المتحدة والصين وبعض دول الخليج. وفي هذا الإطار، أعلن صندوق النقد الدولي يوم الأربعاء الماضي عن مخطط لتدشين آلية تهدف على المدى القريب إلى توفير السيولة بشكل سريع للأسواق الناشئة المستحقة التي تتوفر على "سجل سياسات حكيمة واتصال بالأسواق المالية وعبء ديون يمكن تحمله"، إضافة إلى سياسات "يتم تقييمها على نحو إيجابي من قبل صندوق النقد الدولي"، خلال آخر محادثاته مع هذه الدول. كما أعلن "الاحتياطي الفيدرالي" عن آليات مبادلة جديدة وموسعة تستطيع البرازيل والمكسيك وسنغافورة وكوريا الجنوبية الاستفادة منها. بيد أن الشروط الواجب توفرها في الدول التي ترغب في الاستفادة من قنوات الائتمان هذه بالغة الأهمية. ففي رد فعلها الأولي، على سبيل المثال، قالت المكسيك إنها ليست في حاجة إلى خطط من صندوق النقد الدولي، وهو رد شجعه على الأرجح، (خط المبادلة) الأميركي الذي وفره "الاحتياطي الفيدرالي". غير أن ما لا ينبغي السماح بحدوثه هو سيناريو، تستفيد بموجبه، وبشكل أوتوماتيكي، مجموعة صغيرة تضم بلداناً يرى صندوق النقد الدولي والبنوك المركزية للدول الغنية أنها تتوفر على سجل جيد بينما يتعين على البلدان، التي لها أهمية أو قوة سياسية أقل التقدم بطلب الحصول على برامج تقليدية من "الصندوق"، يحتاج تنفيذها وقتاً أطول وتكون مرهونة عادة بشروط صعبة. إن من شأن تصنيف الدول على هذا النحو إحداث توترات سياسية قوية. ومن غير الممكن أو المعقول منح إمكانية الاستفادة من مئات المليارات من الدولارات عبر توفير الائتمان لعدد كبير من البلدان النامية بشكل أوتوماتيكي، ومن دون أي معيار من معايير الاستحقاق؛ غير أن انتقاء بعض البلدان فقط لتستفيد من هذه الآلية، ومطالبة البلدان الأخرى الكثيرة بالانخراط في مفاوضات مطولة سيُعد وصمة كبرى بالنسبة للبلدان التي لن تستفيد من هذه الآلية، بل إنه يمكن أن يدفعها إلى السقوط في الأزمة بشكل أسرع، ومن شأن ذلك أيضاً أن يجعل من الصعب سياسياً على هذه البلدان الانخراط في المفاوضات إذا ما استفادت بلدان أخرى بشكل فوري من مساعدة صندوق النقد الدولي أو مبادلات البنوك المركزية. إن الحل الأفضل هو توسيع إمكانية الاستفادة من آلية الإقراض الجديدة لصندوق النقد الدولي بحيث تشمل عدداً أكبر من البلدان التي كانت لها سياسات اقتصادية جيدة خلال السنوات القليلة الماضية. وتوسيع عملية الاستفادة يمكن أن يتحقق من خلال تفسير معايير الاستحقاق المعلنة على نحو يؤكد أن هذه الآلية لا تستهدف فئة منتقاة. وفي النهاية، فإن القرارات ينبغي أن تُتخذ بعد دراسة كل حالة على حدة، كما ينبغي أن تعكس حاجة بلدان كثيرة إلى جرعات متنوعة من المحفزات المالية لمواجهة انهيار الطلب على الصادرات وتراجع حجم الإنفاق الخاص. غير أنه إذا كانت موارد صندوق النقد الدولي تستطيع توفير ما قد يصل إلى 200 مليار دولار، فإن الاحتياجات العالمية تقدر بـ500 مليار إلى 800 مليار دولار، وهو ما يستوجب في هذه الحالة ضرورة أن تُكمّل ائتمانات البنوك المركزية- التي يُؤمل أن تشمل أيضاً قروضاً من الصين وبعض الدول الخليجية- قروض صندوق النقد الدولي، كما يتعين إيجاد طريقة لإشراك لاعبين جدد مثل الصين بشكل أكبر حتى تكون لهم كلمتهم بخصوص شكل وعملية صنع القرار المتعلقة بهذه الآليات، وذلك ضمن خطوات تمهيدية يتم استكمالها في إطار إصلاحات جوهرية لصندوق النقد الدولي. إن الأسواق الناشئة لا يمكن تصنيفها ببساطة وسهولة على أساس بلدان ذات سياسات جيدة مقابل بلدان ذات سياسات سيئة، لأن ثمة درجات قوة في السياسات والآفاق. وبالتالي، فإن المطلوب اليوم هو جهود كبيرة وشاملة لتوسيع الدعم حتى يشمل مئات الملايين من الناس، الذين لا يتحملون أي مسؤولية في الأزمة، التي باتت تهدد وظائفهم وحياتهم. ويجب أن يكون ثمة تحرك حاسم وعاجل لبلورة خطة مبتكرة - ليس بعد أشهر من اليوم، وإنما خلال الأسبوعين المقبلين. --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست".