يقدم الباحثان البريطانيان "تيموثي لينش" و"روبرت سنغ" في كتابهما "بعد بوش: الأسباب الداعية لاستمرار السياسات الخارجية"، تحليلاً دقيقاً للسياسة الخارجية الأميركية بعد الحادي عشر من سبتمبر، يهدمان من خلاله العديد من الأساطير والأفكار المغلوطة المرتبطة بإدارة جورج بوش، وأبرزها تلك المتعلقة بطريقة استجابتها للإرهاب، وقرارها بشن الحرب على العراق، وأفكار المحافظين الجدد ونفوذهم خلال فترة حكم هذه الإدارة... كما يقدمان العديد من الأدلة والقرائن لإثبات فكرتهما الأساسية وهي أن سياسة بوش الخارجية سوف تستمر بعد انتهاء ولايته، لافتين الانتباه إلى أن أي تحليل موضوعي لتلك السياسة يجب أن يبتعد عن شخصنتها، أي عدم ربطها بشخص بوش، حتى لا يكون للعداوة الشخصية التي يحملها كثير من الأميركيين له أي تأثير على سلامة التحليل ونتائجه. وهما يؤكدان كذلك على أن هذه السياسة سوف تستمر لأن العديد من مكوناتها تتسق مع التقاليد الراسخة لمؤسسة السياسة الخارجية الأميركية عبر الأجيال، ولأنها مطلوبة بشدة في سياق ما يطلقان عليه "الحرب الباردة الثانية"... فبعد أن انتهت الحرب الباردة الأولى -حسب هذا التعريف- بسقوط حائط برلين في أواخر ثمانينيات القرن الماضي وتفكك الاتحاد السوفييتي في بدايات ذلك العقد، ظهرت آراء عديدة منها ذلك الذي شرحه "فرانسيس فوكوياما" في بحثه الشهير عن "نهاية التاريخ" والذي يذهب إلى أن التاريخ قد انتهى بانتصار النظام الرأسمالي على النظام الشيوعي. غير أن الذي حدث بعد ذلك هو أن روسيا نهضت من كبوتها، وعملت على استعادة نفوذها الدولي مما دفع بعض المحللين والنقاد والأكاديميين إلى القول بأن هناك حرباً باردة جديدة (ثانية) قد بدأت. الكاتبان يريان أن العديد من مكونات السياسة الخارجية لبوش، سوف تكون صالحة للتطبيق في إطار تلك الحرب التي لن تكون بين الولايات المتحدة من جانب وروسيا من جانب آخر، كما قد يتبادر إلى أذهان البعض، وإنما ستكون بين الغرب والولايات المتحدة في مقدمته من جهة وبين الإسلام الراديكالي والمنظمات الجهادية المسلحة من جهة ثانية. ويرى المؤلفان أن الأيديولوجيا الإسلامية الراديكالية تمثل تهديداً مباشراً للولايات المتحدة، وأنه ليست هناك وسائل للتعامل مع ذلك التهديد غير الحروب الاستباقية والاشتباك العسكري طويل الأمد من خلال إقامة القواعد العسكرية الأميركية التي تغطي كافة دول المعمورة، من خلال معاهدات واتفاقيات أمنية تربط تلك الدول بالاستراتيجية العسكرية الأميركية العالمية. والهدف من تلك السياسات الصارمة في التعامل مع التهديدات الخارجية، وخصوصاً خطر الإسلام الراديكالي، هو الحيلولة بين المنظمات الراديكالية وبين حصولها على أسلحة دمار شامل لاستخدامها لضرب المجتمعات الغربية، خصوصاً بعد أن تحول سوق شراء وبيع المواد التي تدخل في الصناعات النووية إلى ما يشبه البازار. ويركز المؤلفان بشكل خاص على الخطر الذي يمثله تنظيم "القاعدة"، كما يتناولان المنظمات ذات الأجندات المتطرفة الأخرى مثل "حزب الله" في لبنان وحركة "حماس" في فلسطين، ويقولان إنه رغم أن هاتين المنظمتين معنيتان في المقام الأول بتنفيذ أجندتهما النضالية، فإن ذلك لا يحول بينهما وبين التعاطف مع أجندة "القاعدة"، والتعاون معها إذا ما أتيحت الظروف المناسبة. ويقول الكاتبان إنه رغم أن إيران التي يحكمها رجال الدين تتبنى نسخة متشددة من الإسلام، فإن الادعاء القائل بأن إيران يمكن إذا ما تمكنت من تصنيع أسلحة نووية أن تقوم بتسليم هذه الأسلحة أو بعض مكوناتها إلى منظمات إرهابية، هي فكرة خاطئة بالأساس بل وغير منطقية لأسباب أهمها أن إيران دولة شيعية، في حين أن "القاعدة" منظمة سنية. والثاني أن خطاب "القاعدة" هو بالأساس خطاب ديني يقوم على تقسيم العالم إلى معسكري مؤمنين وكفار، في حين أن الخطاب الإيراني، وإن كان ينضح بالكراهية الشديدة للولايات المتحدة، فإن هذه الكراهية في الحقيقة ليست ذات منبع ديني وإنما ترجع لأسباب تاريخية وبالتالي يكون أساسها علمانياً أي مختلفاً في الجوهر عن خطاب "القاعدة". وهناك سبب ثالث، هو أن إيران لها مصالح استراتيجية تبتغي المحافظة عليها، ما يحول بينها وبين اتباع أي سياسة انتحارية، مثل بيع مكونات نووية لمنظمات مارقة. ويرى المؤلفان في نهاية الكتاب أن طاقم السياسة الخارجية في عهد الرئيس الأميركي الجديد، سيجد نفسه نتيجة لكل تلك العوامل، مضطراً إلى مواصلة العمل استناداً إلى أسس السياسة الخارجية الأميركية الجمهورية التي بدأت بمفهوم "إمبراطورية الشر" في عهد رونالد ريجان، وانتهت بمفهوم "محور الشر" في عهد جورج بوش على الأقل. وهما يريان أن ذلك الاستمرار يمثل شرطاً ضرورياً حتى لا تتعرض تلك السياسات إلى التذبذب والتغيير مع قدوم كل إدارة جيدة. ليس هناك شك في أن هذا الكتاب سيكون له دور في تحديد الإطار العريض الذي ستدور فيه مناقشات السياسة الخارجية مع مقدم الرئيس الجديد. سعيد كامل الكتاب: بعد بوش: الأسباب الداعية لاستمرار السياسات الخارجية المؤلفان: تيموثي لينش وروبرت إس. سنغ الناشر: كمبردج يونيفرستي برس تاريخ النشر: 2008