تستضيف أبوظبي حالياً "المؤتمر الثاني لمنظمة المرأة العربية"، والذي افتتح أمس، برعاية ورئاسة سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة منظمة المرأة العربية. ويكتسب هذا المؤتمر قيمته ومكانته النوعية من اعتبارات عدّة، أولها حجم الاهتمام الذي توليه سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، ودعمها لقضايا المرأة، ويتجلّى هذا الدعم من خلال المحاور والموضوعات وقضايا المرأة، التي تُناقش خلال المؤتمر. والاعتبار الثاني يكمن في مدى إلحاح الموضوع الرئيسي للمؤتمر على أجندة النقاشات الخاصة بالمرأة ودورها في عملية التنمية في دولنا العربية، حيث يعقد المؤتمر تحت عنوان "المرأة في مفهوم أمن وقضايا الإنسان... المنظور العربي والدولي"، فقد بات الأمن جزءاً رئيسياً من هموم المرأة في العالم بشكل عام، وفي المنطقة العربية بشكل خاص، في ضوء مؤشرات واقع معاناة صعب تعيشه المرأة العربية، إذ ترسم التقارير التي صدرت في السنوات الأخيرة صوراً متشائمة لأوضاع المرأة في كثير من الدول العربية، سواءً لجهة المعاناة الإنسانية، أو الأمن الاقتصادي والاجتماعي، ناهيك عن التعليم والصحّة والغذاء والمشاركة السياسية، وغير ذلك. تشير إحصاءات إلى أن نسبة تمثيل النساء في البرلمانات العربية تُعدّ الأدنى في العالم، كما أن المنطقة العربية بها واحد من أعلى معدّلات أميّة النساء في العالم، وهي نسبة تصل، بحسب بعض التقديرات، إلى 50% من تعداد النساء العربيات، في حين تصل هذه النسبة إلى نحو 32% لدى الرجال! ليست هذه هي أوجه المعاناة الوحيدة للمرأة العربية، فهناك العنف ضد النساء، والتمييز، وتقييد حرية المرأة وحقوقها في ميادين حياتية متعدّدة، وغير ذلك من ممارسات تفرز في مجملها الحقيقة القائلة إن مشاركة المرأة العربية في الاقتصادات هي الأضعف من نوعها عالمياً، وإن نسبة بطالة النساء العربيات المؤهلات للعمل أضعاف نسبة الرجال! تقارير المنظمات الدولية المتخصّصة تشير إلى أن نهوض المرأة شرط ضروري لازم لتحقيق النهضة العربية المنشودة. وجهود التصدّي للظواهر والممارسات السلبية في مجتمعاتنا لن يكتب لها أي نجاح يذكر في ظلّ هذا الواقع الثقافي والتعليمي البائس للمرأة العربية، إذ كيف يمكن تصوّر نجاح خطط مكافحة الجهل والسحر والشعوذة والدجل والتشدّد والتطرّف في ظلّ واقع نسوي مشحون بالتخلّف والأميّة؟ في ظلّ وجود نحو 45 مليون امرأة عربية يعانين الأمية، تصبح معالجة هذه الاختلالات أحد أبرز المخارج من الوضع الراهن، والمؤكّد أن "المؤتمر الثاني للمرأة العربية"، يوفر فرصة مثالية للنقاش حول قضايا المرأة، خصوصاً فيما يتعلّق بموقعها ضمن مفهوم أمن الإنسان وقضاياه من الجانبين العربي والدولي. ولا شكّ في أن أحد أبرز إنجازات المؤتمر الثاني يتمثّل في إطلاق الاستراتيجية الإعلامية للمرأة العربية، حيث تشير الدراسات المتخصّصة إلى مدى تجذّر الصور النمطية السلبية للمرأة في الإعلام العربي، ما يستوجب نشر الوعي داخل الأوساط الإعلامية حول واقع المرأة العربية وقضاياها الحقيقية، بعيداً عن الصور السلبية السائدة، والأحكام النمطية المقولبة التي تسيطر على فكر الكثير من وسائل الإعلام حيال المرأة العربية بشكل عام. إن تغيير الصور النمطية السائدة للمرأة العربية من خلال الاستراتيجية الإعلامية الجديدة، يُعدّ خطوة مهمّة للتغلّب على أحد أبرز معوّقات التنمية، ويسهم كذلك في تقديم الصورة الحقيقية للدين الإسلامي الحنيف، الذي يعزّز مكانة المرأة في مجتمعاتنا. تغيير الرسالة الإعلامية باتجاه تقديم صورة أقرب إلى واقع المرأة العربية، يعدّ هدفاً يستحق كل جهد يبذل من أجله، والمأمول أن يصبح "المؤتمر الثاني للمرأة العربية" نقطة انطلاق نحو تصحيح الاختلالات وإعادة هيكلة دور المرأة العربية كي تتبوّأ المكانة التي تستحقها. ــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.