خصّصت مدينة خليفة الطبية الأسبوع الماضي للتوعية بمرض السكري، الذي تتفاوت معدلات انتشاره المعلنة في دولة الإمارات بين 19% و25% من إجمالي تعداد السكان، بحسب تقديرات متباينة، أي ثاني أعلى معدل انتشار للمرض في العالم. واليوم هو اليوم العالمي لداء السكري، حيث تسعى الدول والمنظمات المتخصصة إلى مواجهة خطر هذا المرض، الذي يتسبب بوفاة شخص كل 10 ثوانٍ في العالم، جراء أمراض ذات صلة بمرض السكري. وقد أكدت وزارة الصحة منذ فترة ضرورة التصدي لما يوصف بـ"الأمية الصحية"، ولفتت الانتباه كذلك إلى خطورة الثقافة الطبية المشوّهة التي لا تستند إلى معلومات موثقة؛ والمؤكد أن معدلات انتشار بعض الأمراض مثل السكري وضغط الدم، وكذلك أمراض القلب، ترتبط بشكل كبير بمسألة الأمية الصحية، ما يعني أننا بحاجة ملحة إلى العمل على مسارات عدة متوازية في حملات التوعية التي تنظمها العديد من الجهات المعنية للتحذير من هذه الأمراض، في مقدمة هذه المسارات تطوير الخطاب التثقيفي الصحي، لينتقل من التحذير المباشر المنفِّر إلى مربع "الترغيب" في الإقبال على إجراء الفحوص، واتّباع عادات غذائية سليمة، وربط ذلك بالعوائد الصحية والسلوكية اليومية الإيجابية، المتوقعة نتيجة للتخلي عن الممارسات الصحية والغذائية الخطأ، على اعتبار أن الإعلانات التحذيرية غالباً ما تستنفر عوامل الرفض الداخلي لدى المتلقين، وتدفعهم إلى تجاهل مضمون الإعلان، ما يعني عدم تحقق الأثر التوعوي المنشود، فضلاً عن بناء جدار دفاع ذاتي ضد مثل هذه النوعية من الإعلانات مستقبلاً! المسار الثاني يتعلق بوسيلة توصيل الخطاب التثقيفي الصحي، ومدى ملاءمتها للشريحة الأعرض من جمهور المتلقين، حيث يلاحظ أن حملات التوعية الصحية تخطط وتنفذ في كثير من الأحوال وفق نهج نخبوي ضيق، بل يقترب بعضها من الإطار أو الشكل الاحتفالي، من دون أن تنتقل إلى عامة الناس المستهدفين. على سبيل المثال، هناك حملات توعية كثيرة تتم وتنفق عليها أموال طائلة، في حين يظل المجال الحيوي لنشاط هذه الحملات في مناطق جغرافية معينة، ولا تنتقل إلى مدن ومناطق يفترض أن يتمركز فيها النشاط التوعوي، إما لأسباب تتعلق بفلسفة عمل الحملات نفسها، وإما لقصور في تخطيطها، بحيث تغيب المعلومات والإحصاءات المسحيَّة الخاصة بمعدلات انتشار بعض الأمراض في مناطق سكنية معينة تتطلب تكثيفاً للدعاية والتوعية، خصوصاً باستخدام الاتصال المباشر ووسائل التوعية الأقرب والأكثر فاعلية وتأثيراً لدى سكان هذه المناطق، بدلاً من اللجوء إلى إنفاق أموال حملات التوعية على وسائل إعلامية قد لا تصل إلى الجمهور المستهدف، أو على الأقل لا تحقق الهدف المرجوّ بالفاعلية والانتشار المتاحين في حال اللجوء إلى وسائل أخرى. المسار الثالث يتصل بأهمية تنسيق الجهود وتخطيطها بين الجهات الصحية المعنية، على المستويين الاتحادي والمحلي، بحيث تتم برمجة حملات التوعية الصحية كي تشمل جميع مناطق الدولة من ناحية، وتتواصل على أمدية زمنية أطول من ناحية ثانية، وتتفادى التكرار سواء في أساليب التوعية، أو في مناطقها، أو وسائلها من ناحية ثالثة. عندما يشار إلى الأمية الصحية وضرورة معالجتها والحد منها، يصبح من الضروري أن تتجاوز حملات التوعية وخططها الأطر الاحتفالية التي تتم بها في بعض الأحيان، وأن تركّز على تحقيق الأهداف بفاعلية، ثم قياس النتائج وطرحها للنقاش والتعديل بشكل موضوعي، بدلاً من التركيز على جذب الأضواء الإعلامية، وكسب قدر من الدعاية للجهة المنوط بها تنظيم هذه الحملات التي يسميها البعض "حفلات التوعية" لا "حملات التوعية"، فهناك محاضرات توعية صحية غالبية المشاركين فيها من غير الفئات المستهدفة، وهناك ورش عمل وندوات ولقاءات تثقيفية لا تنظم في مناطق تبدو بحاجة ماسّة إليها.