برلمان الإمارات اليوم صار بحاحة إلى دعم أكبر ومساحة أوسع ليتحرك فيها والتجربة الديمقراطية التي شهدتها الإمارات في الانتخابات الأخيرة للمجلس الوطني الاتحادي يجب أن تدعم وأن تنال حظاً أوسع من المشاركة. إننا بحاجة إلى أن نطور هذه التجربة التي كشفت أنها مفيدة. وفي الإمارات تعتبر التجربة الديمقراطية مسألة ضرورية بل وطبيعية لأننا نعيش في مجتمع متعدد ومنفتح يقبل الأفكار الجديدة والحديثة ويتفاعل معها بشكل سلس وسريع وهادئ. إن المتتبع لأعمال المجلس الوطني خلال السنتين الماضيتين بلا شك يشعر أن هناك حراكاً شهده المجلس ونشاطاً تميز به سواء على صعيده الداخلي من خلال الجلسات والقضايا التي قام بمناقشتها أو على الصعيد الخارجي ومشاركاته في الاجتماعات العربية والعالمية والتي كان للإمارات فيها حضور واضح ومؤثر. دور الانعقاد العادي الثالث من الفصل التشريعي الرابع عشر للمجلس الوطني الاتحادي بدأ يوم الاثنين الماضي وسينتهي في فبراير المقبل وهو دور انعقاد قصير لذا من المهم أن يكثف المجلس الوطني جلساته خلال الأشهر القليلة المقبلة حتى يتمكن من إنجاز أكبر قدر من الأعمال... أما إذا تم التمديد لهذا المجلس لسنتين جديدتين -وهو احتمال مرجح- فيجب أن يدرك أعضاء المجلس أن مسؤوليتهم تتضاعف وعليهم أن يتداركوا ما فاتهم خلال الفترة الماضية. فأعضاء المجلس الوطني مطالبون من جديد بأن ينزلوا إلى الميدان ويتلمسوا حاجات المواطنين وهذا ما أكده صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في كلمته الافتتاحية لدور الانعقاد الحالي... وسموه خير قدوة لذلك فمنذ توليه رئاسة مجلس الوزراء وهو يحرص على القيام بزيارات ميدانية يلتقي خلالها بالمواطنين في المدن وفي المناطق النائية ويقف على حاجاتهم لأنه يدرك أن هذه أفضل طريقة لمعرفة ما يحتاجه المواطن. فلا يكفي الأعضاء الوقوف تحت قبة البرلمان ومناقشة قضايا تصل إليهم وهم على مكاتبهم بل عليهم أن يستمعوا إلى المواطنين الذين أعطوهم أصواتهم وأوصلوهم ليجلسوا على مقاعد البرلمان وخصوصاً هذه الأيام فهموم المواطنين كثيرة وقضاياهم متشعبة وعميقة تحتاج إلى دور واضح من أعضاء المجلس الوطني الاتحادي الذين أطلقوا كثيراً من الوعود خلال فترة الانتخابات وبعضهم نسيها بل نسي أنه وعد أصلا... وعلى كل حال لن ندقق في الوعود الانتخابية فالجميع يدرك أنها دعاية انتخابية أو "دعابة انتخابية" وتزول بمجرد فوز المرشح وهذه ظاهرة ليست خاصة بنا أو بالعرب بل يعرفها العالم بأسره... لكننا نؤكد على أهمية قيام الأعضاء بدورهم كممثلين للشعب. أعضاء المجلس الوطني مطالبون بالتواصل المباشر والدائم مع المواطنين، واستمرار جلوس بعضهم بعيداً عن المواطنين أمر لم يعد مقبولا وبقاء بعضهم بعيداً عن المشكلات التي يعاني منها المواطن لم يعد مقبولا أيضاً خصوصا في هذه المرحلة التي يبدو واضحاً فيها أن مشكلات المواطنين الاجتماعية والاقتصادية والنفسية تتزايد وتحتاج إلى من يتعامل معها باخلاص وواقعية تامة. ومن جهة أخرى فإن دعم برلمان الإمارات صار مطلوباً رسمياً وشعبياً... فمن الجهة الرسمية مطلوب إعطاء المجلس مزيداً من الصلاحيات كي يقوم بدوره التشريعي المفترض فبرلماننا إلى اليوم يمتلك حق تشريع صوري وليس حقيقياً وهذا قصور يعيق عمل المجلس. أما من الجهة الشعبية فمطلوب من المواطنين منح ثقتهم لهذا المجلس ومشاركتهم فيه وتنمية ثقافتهم البرلمانية، فالمجلس الوطني الاتحادي هو المكان الذي ينقل من خلاله صوت المواطن إلى الحكومة وإلى المسؤولين ولا يجب أن يستمر المواطن في التعامل مع هذا الكيان بسلبية وعلى أساس أن "وجوده أو عدم وجوده سيان" لأن وجود هذا المجلس أمر في غاية الأهمية للوطن والمواطن. وفي هذه المرحلة نحن مطالبون بأن نفكر في تطوير تجربتنا البرلمانية بحيث يكون لدينا مجلس وطني منتخب ومجلس استشاري اتحادي معين والمجلسان يكملان بعضهما، وصياغة تركيبة هذه المجالس ليست بالصعبة ولا شك أنها يجب أن تتلاءم والوضع السياسي والاجتماعي للبلد دون أن نتورط بجلب أية قوالب خارجية لا تتناسب وحاجتنا كمجتمع إماراتي ولا تتناسب وتجربتنا البرلمانية القصيرة. وكذلك ما تم تداوله مؤخراً من التفكير في زيادة أعضاء المجلس الوطني الاتحادي أمر يستحق الاهتمام فإذا كان المجلس الوطني تشكل في السبعينيات من القرن الماضي حين بدأ بأربعين عضواً فقط، فلا أعتقد أننا اليوم نكتفي بهذا العدد، فالعقود الثلاثة الماضية منذ انطلاق أعمال المجلس الوطني وحتى اليوم شهدت تطورات مذهلة ومع ذلك بقي المجلس الوطني الاتحادي على حاله ويبدو أن الوقت قد حان لتغييرات جذرية في عمل المجلس وأدواته وأعتقد أن مضاعفة عدد أعضاء المجلس بحيث يكونون ثمانين عضواً سيكون أمراً جيداً على أن يكون تمثيل المرأة فيه واضحاً وحقيقياً، خصوصاً أن المرأة الإماراتية أثبتت حضورها الجاد والمتميز في الفصل التشريعي الحالي ويجب أن يبقى مكانها محفوظاً فيه. في انتخابات عام 2006 الماضية كان فقط من حق الـ 6689 مواطناً ومواطنة أن يرشحوا أنفسهم وينتخبوا، وبلا شك أنها كانت تجربة مهمة جداً ومفيدة وكانت ناجحة إلى أبعد الحدود وكان تفاعل المواطنين معها كبيراً وغير متوقع بل وكان مفاجئاً للبعض... وبعد ذلك النجاح من المهم أن تكون الانتخابات المقبلة أوسع وأن تضم أعداداً أكبر من المواطنين –إن لم يكن جميعهم- بحيث يحق لهم الانتخاب والترشيح والمشاركة في العملية الديمقراطية التي كانت خيار القيادة الرشيدة في الإمارات والتي أصرت وراهنت عليها وهي اليوم تجني ثمار هذه التجربة على أرض الواقع.