لم يخفِ الرئيس المنتخب باراك أوباما من خلال تصريحاته التي أدلى بها على امتداد حملته الانتخابية، وبعد تأكد نجاحه، دعمه الواضح للطاقة النووية كمورد أساسي لتلبية الاحتياجات الأميركية المتزايدة من الطاقة وتقليص اعتمادنا على استيراد الوقود من الخارج، فضلا عن خفض انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري... لكن ذلك لن يتحقق ما لم تعالج مسألة التخلص من المخلفات النووية وضمان عدم إلحاقها الضرر بالمجمعات السكنية أو تسربها إلى البيئة. ولحسن الحظ هناك مجموعة من المقاربات التي يمكنها توفير الحلول لهذه المعضلة على مدى السنوات الثماني القادمة، مع احتمالات كبيرة بنيلها تأييد وموافقة الرأي العام. وقبل التطرق إلى الحلول الممكنة، لابد أولا من الرجوع إلى الخلفية التاريخية لفهم الجدل الدائر حالياً بشأن التخلص من النفايات النووية وضمان عدم إلحقاها الضرر بالإنسان والنظام البيئي، ففي عام 1987 قام الكونجرس بإغلاق باب النقاش حول تحديد مواقع دائمة لدفن المخلفات النووية، ماعدا تلك التي حددت مسبقاً في جبال "يوكا" بولاية نيفادا التي جعلها الكونجرس موقعاً منفرداً للتخلص من النفايات الخطيرة مقابل دفع المحطات النووية التي تستفيد من الموقع ضرائب، والنتيجة أن راكمت الحكومة الفدرالية ما لا يقل عن 26 مليار دولار منذ ذلك الحين. غير أن الخلافات التي نشأت بين واشنطن وولاية نيفادا بشأن اختيارها دون غيرها لاستضافة النفايات النووية فوق أراضيها عرقل تقدم المشروع بعد المعارضة الشديدة التي أبداها سكان الولاية. فمن جهة يرى البعض أن المشروع سيضر بالطابع السياحي للولاية ويفقدها مداخيل هي في حاجة إليها، ومن جهة أخرى يشعر السكان بأن الحكومة الفدرالية تظلمهم باختيار ولايتهم دون غيرها لدفن مواد سامة ومشعة. وهكذا، وبعد نصف قرن على شروعنا في إنتاج الطاقة بالاعتماد على التكنولوجيا النووية، مازلنا نلجأ إلى مخازن مؤقتة للتخلص من النفايات النووية التي تتوزع على أكثر من موقع في الولايات المتحدة، وهو تذكير يومي بعجز الحكومة عن الوفاء بتعهدها الذي قطعته على نفسها منذ عام 1998 والقاضي بالتخلص من النفايات عبر نقلها من مواقعها المؤقتة إلى منشآت دائمة تستوعب الكميات الكبيرة المتراكمة من المواد المشعة. والحقيقة أن جزءاً كبيراً من المشكلة يكمن في سياسة ترجع إلى عام 1982وتصر على ضرورة دفن الوقود النووي المستخدم في موقع جيولوجي، بمعنى وضع عملية دفن المواد النووية كشرط أساسي للتخلص منها. لكن الملاحظ أن الاحتفاظ بالوقود المستخدم في منشآت مؤمنة دون دفنها ولفترة تصل تسعين عاماً يؤدي إلى تلاشي حرارة المواد النووية وتقلص طابعها الإشعاعي، وهو ما يلغي الحاجة إلى توفير مواقع مكلفة تحت الأرض لدفن المواد المشعة. ولحسن الحظ فإن الاحتفاظ بالمخلفات النووية في مواقع خاصة بدل دفنها تحت الأرض، يمنحنا بعض الوقت للنظر في إمكانية تحويل النفايات إلى مصدر آخر للطاقة بعد معالجتها وحل المعضلات المرتبطة بالتكنولوجيا والتكلفة ومعايير السلامة. ولتغيير السياسة المتقادمة المستخدمة إلى غاية اليوم نحتاج أولا إلى بناء أربع مواقع محلية لتخزين الوقود النووي الناتج عن توليد الطاقة، على أن يتم توزيع النفايات بشكل متساو بين المناطق الأميركية تفادياً للحساسيات المحتمل نشوؤها في هذا المجال. والفكرة أن يتم الاحتفاظ بالنفايات النووية في تلك المواقع لفترة كافية حسبما تتطلبه عملية تلاشي الحرارة والمواد المشعة(90 سنة) قبل إعادة معالجتها واستخدامها لإنتاج الطاقة مجدداً، وبالطبع يمكن الاستعانة بالموارد المالية التي تجنيها الحكومة الفدرالية من الضرائب المفروضة على المحطات النووية لتجهيز مكان نهائي تصب فيه النفايات النووية بعد فقدانها لخصائصها السامة والمشعة تمهيداً لمعالجتها، وربما في هذه الحالة يتم الرجوع إلى السياسة القائمة على دفن المخلفات النووية بعد التأكد من أنها لن تضر بالبيئة. ومن أهم الوسائل التي يمكن اتباعها لضمان نجاح سياسة التخزين المؤقت للنفايات النووية، منح تعويضات عادلة ومتساوية للولايات التي تقبل استضافة تلك المواقع، وذلك من خلال فتح طلب عروض علني تخصص فيه الحكومة الفدرالية بقيادة الرئيس مبلغ مليار دولار على سبيل المثال لتشجيع سكان الولايات على استضافة مواقع التخزين المؤقتة. وبالطبع سيتم التأكد من أن الأموال تصرف على النحو الصحيح في تشديد معايير الرقابة وتحسين إجراءات السلامة مع تكثيف حملات إعلامية للتواصل مع الأهالي لتبدبد مخاوفهم من المواد المشعة وإقناعهم بالموافقة عليها، وإذا ما صاحبت الأموال الحكومية برامج مكثفة لتوعية المواطنين وممثليهم في المجالس المحلية بالولايات، فمن المرجح أن يقبلوا في النهاية باستضافة المواقع المؤقتة لما ستجنيه مناطقهم من أموال فدرالية. وفي الوقت نفسه يتعين على الحكومة الفدرالية الاستمرار في البحث عن الأماكن المحتملة لدفن المواد النووية بصفة نهائية بعد انقضاء فترة تخزينها. وفي النهاية يبقى سؤال السلامة الذي يهم المواطنين، بحيث يتعين في هذا السياق انخراط جدي في مشاريع تجريبية لمواقع التخزين وتشديد الإجراءات الأمنية حتى يطمئن الرأي العام أن سلامته بعيدة عن أي تهديد. ---------- ديفيد كوسون، وتشارلز باورز أستاذا الهندسة البيئية والمدنية بجامعة فانديربيلت الأميركية ---------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"