اختيار أوباما للسيناتورة هيلاري كلينتون لمنصب وزير الخارجية، من شأنه أن يعبُر بهما معاً من حاجز الانقسام السابق بين معسكري أوباما وهيلاري، فضلاً عن أنه سيفتح لهيلاري الطريق واسعاً لخوض معركة السباق الرئاسي في عام 2012. فما هي الأسرار الكامنة وراء هذه الصفقة يا ترى؟ وما هي الضمانات التي يمكن توفرها لأن تعمل هيلاري على الدفع بالسياسات الخارجية لإدارة أوباما، وليس وفقاً لأجندتها الخاصة؟ وما هو المتفق بينهما على الصمت عنه عند توليها المنصب؟ وكيف يتم التوفيق بين تعيين هيلاري في منصب وزير الخارجية، وخبرة نائب الرئيس جو بايدن في مجال السياسات الخارجية، التي غالباً ما ستخبو تحت تأثير وطغيان هيلاري على هذه السياسات؟ مهما تكن الإجابة عن هذه الأسئلة، فإن المؤكد هو أن اختيار أوباما لهيلاري في وزارة الخارجية، يعتبر ابتكاراً سياسياً جديداً يحسب إيجاباً لإدارة لم تتسلم مهامها رسمياً بعد في البيت الأبيض. وبعيداً عن المغالاة والتهويل، فلن تشكل السيدة كلينتون ظاهرة غير مسبوقة في قيادة النساء للجهود الدبلوماسية الأميركية، بالنظر إلى أسبقية كل من مادلين أولبرايت وكوندوليزا رايس لها في ذلك، وما حققته كل منهما من نجاح في هذا المجال. غير أن تعيين هيلاري سيأتي بمثابة إطلاق لنجم ساطع في سماء العمل الدبلوماسي، وما أن يعلن نبأ تعيينها رسمياً حتى يعرف العالم كله من هو وزير الخارجية الأميركية الجديد.. من إيران إلى نيجيريا ومن البرازيل إلى باكستان. وبسبب شهرتها العالمية، فليس متوقعاً أن تواجه أدنى صعوبة في الاستئثار باهتمام ملوك ورؤساء ورؤساء وزراء ووزراء خارجية شتى دول العالم. وبالنسبة لها، فستكون هذه المسؤولية الجديدة طريقاً لإبداء مهاراتها في البروتوكول الدبلوماسي والتصريحات وإصدار البيانات المُحكمة الصياغة والتفكير. ومن المتوقع أن تقضي هيلاري نصف وقتها تقريباً في الرحلات والجولات الخارجية، وأن تنتقل بحكم منصبها على متن طائرة "جامبو" نفاثة رئاسية، وأن تتوفر لها كافة وسائل الاتصال الفوري والمباشر مع من تشاء من القيادات والرؤساء ووزراء الخارجية، وأن يتوفر لها طاقم كامل من الموظفين يعمل تحت تصرفها. وإلى جانب ذلك فستحاط بهالة من الكاميرات والمايكروفونات وأجهزة التسجيل الصوتي التي يحملها مئات المراسلين الصحفيين الساعين إلى تحقيق سبق صحفي بالحصول على تصريحاتها وتعليقاتها حول شتى القضايا الدولية المطروحة في الساحة. وفي كل محطة خارجية تتوقف فيها هيلاري، يتوقع أن يقوم على حراستها ليلاً ونهاراً فريق كامل من الضباط وجنود القناصة، الذين يخفون بنادقهم ورشاشاتهم في حقائب أعدت خصيصاً لإخفاء وتمويه تلك الأسلحة الفتاكة. ولكن دعوكم من كل هذه الشكليات والبروتوكولات. فالمطلوب من وزيرة الخارجية الأميركية الجديدة هذه، هو تحديداً أن تتجاوز ما هو شكلي وبيروقراطي، وأن تتوق بالفعل لتحقيق إنجازات دبلوماسية كبيرة... بل مطلوب إحداث طفرة حقيقية في علاقات واشنطن بالعالم الخارجي. وما أكثر ما يمكن القيام به في هذا المجال. فعلى سبيل المثال: ماذا سيفعل نظام الرئيس الإيراني مع وزارة خارجية أميركية جديدة تقودها هيلاري التي هددت عبر تصريحات لها في حملة السباق التمهيدي الرئاسي بأن أي هجوم إيراني على إسرائيل، يعني محو إيران من الوجود بواسطة القوة العسكرية الأميركية؟ ولذا فسيكون السوال: هل يمكن أن تنخرط هيلاري كلينتون في محادثات دبلوماسية مع طهران، بموافقة الرئيس باراك أوباما؟ وما هو موقف حكومة طهران؟ وهل سيؤثر الانخفاض الحاد الأخير في أسعار النفط العالمي على المصاعب الاقتصادية التي تواجهها حكومتها سلفاً.. وهل يلهب هذا الانخفاض أكثر مشاعر السخط الشعبي على نظامها؟ ثم ما الذي يمكن أن تقرأه واشنطن، في ظل إدارة أوباما المرتقبة، من التغيير الذي طرأ على موقف إيران من الاتفاقية الأمنية المبرمة مع السلطات العراقية بشأن مستقبل وجود القوات الأميركية في العراق، مع العلم أنه موقف تغير بدرجة 180 درجة، على رغم أن الاتفاقية تنص على استمرار بقاء القوات الأميركية مرابطة في العراق حتى حلول عام 2011؟ وإذا ما كانت الأزمة الإيرانية هي أكبر التحديات الدولية التي تواجهها الإدارة الجديدة، فهي ليست سوى واحدة فحسب بين جملة من الأزمات والتحديات الأخرى. فهل تحقق قيادة هيلاري للخارجية الأميركية نجاحاً في ما أخفقت فيه الإدارات السابقة على رغم كل الجهود التي بذلتها في قضايا وأزمات عديدة مثل حل النزاع الإسرائيلي/ الفلسطيني وفقاً لحل الدولتين المستقلتين المتجاورتين، بحيث يتم الإعلان عن دولة فلسطينية تكفل الأمن والسلام لجارتها إسرائيل؟ وهل لها أن تنتزع النصر لقوى الحرية والديمقراطية في أفغانستان، من براثن حرب ضروس تبدو حتى الآن وكأنها تضمر هزيمة مبيتة للقوات الدولية التي تواصل خوض المعارك هناك؟ وهل لها أن تكون أداة رافعة ومعززة للديمقراطية في باكستان، وإلحاق الهزيمة بـ"طالبان" وتنظيم "القاعدة"؟ وهل تستقطب جهود وتعاون قوى ديمقراطية أخرى غير الولايات المتحدة الأميركية لتحقيق هذا الهدف؟ وضمن الأسئلة كذلك: كيف لهيلاري كلينتون أن تجتذب الصين وتشدها أكثر إلى ساحة التعاون الدولي في ذات الوقت الذي تحث فيه خطى نظام بكين على السير في طريق الإصلاح السياسي؟ ثم ماذا عن روسيا التي لا تزال تعاني آلام الخسائر الإمبراطورية التي حلت بها.. وتسعى الآن للتعويض عن أمجادها الدولية الضائعة؟ وسؤال الأسئلة: هل من سبيل لدمج روسيا بقدر أكبر في الأسرة الدولية، مع وقف تحرشاتها وتدخلاتها في شؤون الدول المجاورة لها مثل أوكرانيا وجورجيا؟ وأخيراً: كيف لهيلاري أن تعمق صلاتها وتعاونها مع نساء العالم.. خاصة نساء العالم العربي والإسلامي؟ جون هيوز ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مساعد سابق لوزير الخارجية في إدارة ريجان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"