الحوار مع صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي نشرته صحيفة الأهرام المصرية صباح الأربعاء الماضي، تضمن أسئلة عديدة من بينها سؤال عن العلاقات بين الإمارات ومصر، فأجاب سموه "إن العلاقات تتزايد، وقد قلت للرئيس مبارك إننا لا نحتاج دعوة لزيارة مصر". إن هذه الإجابة تحمل في كلمات سلسة المعنى الكبير للعلاقات الأخوية الحميمة التي تربط بين الشعبين في مصر والإمارات والتي يكللها إحساس الأشقاء الطبيعي بين الزعيمين. على المستوى الشخصي شعرت إزاء هذه الكلمات الدافئة بأن المظلة التي تحتمي بها أشواق التضامن العربي في نفسي، وهي مظلة الوفاق والإخاء بين الزعماء العرب، قد بَسطت ألوانها الزاهية في الأفق، لتزيح عني الأحزان المتولدة عن الشقاق والصراع بين القيادات الفلسطينية، والتي تضيف إلى عمق المأساة الناتجة عن الاحتلال بعد التناحر والتقاتل بين الأشقاء وتقدم للمحتل الغاصب الهدية المجانية التي يخفي خلفها أطماعه. وجدت نفسي أتمتم، وأنا أطالع الحوار بكلمات سمعت أذناي نَصها... "طبعاً لا تحتاجون دعوة لزيارة مصر". يبدو أن الحالة العاطفية الجياشة التي أثارتها الكلمات السلسة الحميمة في وجداني، قد أطلقت تلقائياً على لساني عبارة التأكيد. عندما انتبهت إلى تأثير الكلمات في نفسي، هززت رأسي بملء الانتباه مصدقاً على عبارة التأكيد التي انطلقت مني عفوياً.. قلت لماذا لا أضع هذا التفاعل التلقائي على الورق لأشرك فيه القراء العرب الذين أصبحوا يتعطشون إلى بشارات توحي لهم أن وحدة أمتهم ما زالت تمتلك جذوراً ضاربة في الوجدان العام للزعماء والقادة على نحو خاص، وأن من حقهم أن يواصلوا الأحلام الممكنة حول الإخاء العربي والتضامن بين أقطار العرب وشراكة المصير العربي الواحد، وترابط الوطن العربي كجسد واحد بأعضاء متنوعة. لقد نُشر الحوار في اليوم نفسه الذي شهد فيه مبنى جامعة الدول العربية انعقاد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، والذي خُصص للبحث في الانقسام الفلسطيني. جاء الحوار ليخفف بروح الإخاء العربي مرارات الانقسام والنزاع الفلسطيني على السلطة من ناحية، وليؤكد من ناحية أخرى التزام دولة الإمارات بتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وصولاً إلى إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس الشريف وإعادة الجولان، وما تبقى من الأراضي اللبنانية، وذلك في إطار التزام عربي بما ورد في مبادرة السلام العربية التي تدعو إلى صيغة السلام العادل. لقد ترك هذا الالتزام الإماراتي القوي، انطباعاً صادقاً في عيني القارئ، فلقد عهدنا نحن في مصر الوقفات الداعمة للقضايا العربية والمنطلقة من مشاعر عربية خالصة الصدق وثرية بالإخلاص من جانب قيادة الإمارات الحالية ومن جانب السلف العظيم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حكيم العرب، الذي تُوج رمزاً للعطاء العربي طواعيةً لأدواره التاريخية؛ سواء في تقديم النموذج الأوحد الناجح للوحدة العربية، أو في مدّ يد التأييد لمصر في حروبها من أجل الحق الفلسطيني والأرض العربية. بهرني أيضاً في حديث صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ذلك النزوع السلمي في التعامل مع مسألة الجزر العربية المحتلة من جانب إيران (أبوموسى، وطنب الكبرى، وطنب الصغرى). إن هذا النزوع الراسخ يعكس فلسفة ومنهجاً فكرياً واضحاً في عقل سموه وهذا انطباعي. انظر إلى الكلمات التي قالها لتستشف الفلسفة والمنهج. تقول الكلمات: "إن حق الإمارات ثابت في الجزر الثلاث وفي الوقت نفسه فإن الإمارات تتمسك بخيار التسوية السلمية لهذا النزاع عن طريق تحكيم الشرعية الدولية. وعلى الرغم من احتلال إيران للجزر، فإن الإمارات تنظر إليها كدولة جارة يربطها تاريخ طويل من العلاقات والمصالح المتبادلة في مجالات عديدة، وإن الحل العادل للنزاع من شأنه توسيع آفاق التعاون بين البلدين، أما فرض أمر واقع معين على الأرض، فهو رهان خاسر لن يؤدي إلى أي نتيجة". ألا توحي الكلمات السابقة بمنهج وفلسفة أقرب إلى قول المولى عز وجل: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم". أرجو أن تستجيب إيران لهذه الفلسفة الرفيعة.