يمثل قيام دولة الإمارات العربية المتحدة يوم الثاني من ديسمبر سنة 1971، قصة النجاح الوحيدة لتجارب الوحدة في العالم العربي في تاريخنا المعاصر. فجميع التجارب الوحدوية الأخرى لا نقول إنها فشلت فقط بل أثمرت نتائج عكسية بصراعات ما زالت آثارها باقية وضحيتها كانت الشعوب وما زالت، إلا التجربة الإماراتية التي أصبحت نموذجاً فريداً يروي قصة نجاح إنساني في بناء دولة رغم التحديات الجسام وقلة الموارد وعدم وجود تاريخ وحدوي في المنطقة يستند إليه. إن المتأمل في المراحل التي مرت بها عملية بناء الدولة يجد أنها تمت في ظل صراع إقليمي وعربي ودولي، بل إن بعض العرب كان يشكك في قدرة هذا المولود على الاستمرار في الحياة فضلاً عن ان يكون نموذجاً للتنمية والتقدم والرقي في العالم العربي.. ولكن لماذا نجحت تجربة الإمارات وفشلت التجارب الأخرى؟ للإجابة على هذا التساؤل لابد من العودة إلى المنهجية التي استخدمها القادة المؤسسون في بناء الدولة ومقارنتها بالأساليب التي استخدمها غيرهم في مشاريعهم الوحدوية. فابتداءً كان الحوار والتراضي هو الأسلوب للاتفاق على أي أمر، وكان هو المنهج المستخدم لحل جميع المشاكل، فلا مكان لاستخدام لغة التهديد والوعيد بين الأشقاء. ومصطلح القوة لا وجود له في قاموس الوحدة الإماراتية، بل إن التوافق والتراضي منهجية لا يمكن الحياد عنها ولو تطلب الأمر مزيداً من الوقت والجهد ومن لم يقتنع اليوم بمصلحته مع الاتحاد فإن الزمن كفيل بإقناعه ولكن ليس بمنطق الفرض والقوة بل بمنطق الرضا والتوافق. ولذلك نجد أن العديد من المبادرات الاتحادية أخذت وقتاً ليس بالقصير لكي تنضوي تحتها جميع الإمارات. وكل هذه الحوارات كانت تدور بشفافية ووضوح بين القادة فكل شيء واضح لديهم، بل كان كل ذلك يدور في ظل الأسرة الواحدة. وذلك بخلاف التجارب الوحدوية الأخرى في العالم العربي التي كان منطق القوة هو السائد فيها، وأسلوب الدسائس والمؤامرات هو الغالب عليها، والشك والريبة أمر واضح وبيِّن في العلاقة بين قادتها، ولذالك سرعان ما فشلت وانهارت. ومما ميز التجربة الإماراتية أيضاً طبيعة العلاقة بين الاتحادي والمحلي التي أثمرت إنجازاً للطرفين في نهاية المطاف. فالعلاقة وإن بدت تنافسية في بعض مراحلها إلا أن هذا التنافس فرض على الآخر الجد والاجتهاد والإبداع لتحقيق الأفضل في مجاله والذي كانت نتيجته أن سمة التكامل أصبحت تحكم هذه العلاقة. فلم يعمل طرف على إلغاء الآخر وتهميشه، بل كان الهدف دائماً هو تقديم أفضل الخدمات للمواطن بغض النظر عمن يقدم هذه الخدمة. ولاشك أن هذه العلاقة مرت بمواقف صعبة وستواجه مستقبلاً تحديات كثيرة وذلك لأن الأمر يتعلق بالسلطات والصلاحيات وبالذات في مجال الخدمات ولكنها ستبقى في إطار التوافق والتراضي وتقديم الأفضل للمجتمع والمواطنين، ولن تتجاوز الثوابت التي ارتضاها القادة المؤسسون. وأما العلاقة بين القادة المؤسسين والشعب فقد كانت نموذجاً فريداً من الولاء والثقة والمحبة التي جعلت الوطن كالأسرة الكبيرة لا يستغني فرد منها عن البقية، بل يجد نفسه يتنفس هواءها، ويستظل بظلالها، وهي أيضاً ترعاه كاحد أبنائها، وإن أخطأ فالعفو أقرب، وإن خالف فالصدر أرحب، ولذلك فإن القيادة الحكيمة لم تعط مبرراً لأحد كي يخالف، بل احتوت الجميع بقلبها الكبير حتى ملكت القلوب قبل العقول، وعليه قامت الإمارات وعليه ستبقى بإذن الله. رحم الله القادة المؤسسين ووفق قادتنا للسير على خطاهم والبناء على إنجازاتهم.