بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني لحقوق الإنسان، دعا مركز الدوحة لحرية الإعلام إلى العمل في سبيل تعديل قانون المطبوعات في دولة قطر. والحديث عن حرية الإعلام متشعب ويأخذ أشكالاً واتجاهات عدة، وله أيضاً محاذير وكوابح قد تجترئ على حرية الإعلام، وذلك لاعتبارات محلية بحتة. لكن مركز الدوحة لحرية الإعلام ركز على قانون المطبوعات "المتقادم" والذي أشبعناه بحثاً وشرحاً لكونه لا يتناسب مع الدور الجديد الذي تضطلع به الدولة، ومنه الانفتاح الإعلامي ونشر ثقافة الحريات العامة وأهمها حرية التعبير، والاستبشار بـ"وساعة الصدر" فيما يتعلق بقضايا الصحافة والإعلام؛ ناهيك عن التطور التكنولوجي وسقوط أنياب الرقابة في العديد من دول العالم ومنها دولة قطر. والحال أننا نعتقد أن الحاجة أصبحت ماسة إلى قانون جديد للإعلام، بحيث يشمل الصحافة والإذاعة والتلفزيون والمحطات الخاصة -في كلا القطاعين- والإنترنت، وأن يعهد بهذا الموضوع إلى أشخاص مؤهلين ومتابعين للتطورات الحديثة في الجانبين التقني والبرامجي، ذلك أن البيروقراطيين لا يمكن أن ينجزوا مهمة مستقبلية واعدة وشاملة مثل قانون الإعلام. وما فتئ الكتاب والصحفيون القطريون يدعون المولى سبحانه وتعالى أن يمن عليهم بالرحمة وتتحقق أمنيتهم بإعلان جمعية الصحفيين التي من شأنها أن ترعى مصالحهم وتدافع عن حقوقهم. وقد أخذ الأمر سنين طويلة دون أن تلوح في الأفق أية بادرة نحو تحقيق قريب لتلك الأمنية! ومن المنظور العقلاني البحت، لابد أن تكون هنالك جمعية للصحفيين قبل أن تكون هنالك حرية للصحافة أو حتى مركز لحرية الصحافة في قطر! وهذه من المسلَّمات، وأن تكون هنالك ممارسة فعلية لثقافة الحرية قبل أن تكون هنالك مؤسسة للديمقراطية. نعتقد أن القوانين الحالية التي تنظم عمل الجمعيات ليست صالحة لعمل جمعية الصحفيين، ذلك أن طبيعة عمل هذه الجمعية -كإحدى مؤسسات المجتمع المدني- تختلف عن عمل جمعيات أخرى لا تهتم بهموم الحريات وشرف المهنة وإشاعة التنوير بين أفراد المجتمع. لذلك، فإن المشرع مدعو لصياغة قوانين خاصة بمؤسسات المجتمع المدني غير تلك المعمول بها حالياً في الإدارة الخاصة بعمل تلك الجمعيات. والتي لابد أن تأخذ من القوانين الدولية روحها وجوهرها، ولا تخرج عن أهداف نصوص مؤسسات المجتمع المدني. ووجود مثل جمعية الصحفيين سوف يحدد مسارات النشر، التي تتحدد -هذه الأيام ومنذ السبعينات بمعرفة رئيس التحرير أو من يقوم مقامه، أو سياسات مجلس إدارة الجريدة أو قانون إنشاء الإذاعة والتلفزيون. وذلك لعدم وجود المرجعيات الملائمة لهذا العصر! وهنالك من الكتاب من يختلفون مع رئيس التحرير أو من يقوم مقامه، ويتم حجب مقالاتهم، لكون هذه المقالات تثير الشكوك حول توجه رئيس التحرير، أو أنها تمس مصالح الدار مع "شهوة" الإعلان! أو تتعارض مع قانون المطبوعات القديم، ولربما لا يصل الأمر إلى درجة المعارضة، بل إن ضبابية ذاك القانون وعدم أهليته لهذا العصر يجعلان الجريدة تبالغ في الحذر، ذلك أن العرف المتبع لدينا أن عدم نشر المقال لا يعاقب عليه القانون، وليضرب الكاتب رأسه في الجدار، لعدم وجود مرجعية تنصفه، لكن النشر هو المشكلة وهو الذي يعرض الكراسي للاهتزاز! والغريب أننا نجد تفسيرات غريبة لنصوص القانون القديم، أو درجات متباينة لتفسير (ظاهر وباطن المقالات) حسب فكر وثقافة رئيس التحرير أو من حوله! لذلك نلاحظ "حظر" مقال معين من قبل جريدة، في الوقت الذي تنشره جريدة قطرية أخرى! وهذا الوضع يصعّب علينا استيعاب روح حرية التعبير، تماماً كما هي الصعوبة في الوصول إلى مجلس الإدارة والشكوى على رئيس التحرير، وهو المرجعية الأساسية في مثل هذا الأمر! وهنا تفقد الجريدة كتابها المجدين وتفقد أيضاً قراءها. ثم إن الكتاب القطريين الجادين يعدون على الأصابع، وإذا ما تم "تطفيشهم" واحداً تلو الآخر، فإن الساحة ستبقى لبعض المقالات المتواضعة التي لا تساهم في عملية التحديث والتنوير، بل ولا تلائم مرحلة التحديث في المجتمع. وستدور تلك المقالات في سياقات المديح أو تعظيم المؤسسات، لاعتبارات عديدة أهمها الحفاظ على الراتب أو الحصول على "بركات" تلك المؤسسات! وللأسف، هنالك العديد من الكُتاب -الذين تفرد لهم الصحف مساحات مهمة- لا يعرفون قضايا القذف ولا حدود حرية التعبير، كما أنهم لا يعرفون الخيط الرفيع الذي يربط بين المؤسسات الصحفية ومصالحها المالية والاستراتيجية! وعليه، فإن للصحافة ووسائل الإعلام الأخرى دوراً مهماً يجب أن تضطلع به، وهو تعريف الكاتب والصحفي بالحدود القانونية والأخلاقية لمهنة الصحافة وأهمها منظومة القيم الصحفية Codes Of Ethics، وهذا التعريف لا يحفظ حقوق الكتاب والصحفيين فحسب، بل يحفظ حقوق المؤسسات والأشخاص إن وقع عليهم القذف من أي كاتب. وإشكاليتنا نحن مع بعض مسؤولي الصحف أنهم يبالغون في "الحذر" المفرط، ويتصورون أنهم سيغادرون مكاتبهم فور نشر مقال إصلاحي لكاتب جاد! وفي مناخ كهذا تسقط المهنية ويتلاشى الدور الأخلاقي الذي يجب أن يتمسك به "حراس البوابة"، لأن طريق الصحافة -والبحث عن الحقيقة- ليست طريقاً لـ"الترزز" في المناسبات أو الاحتفالات، بل هي طريق لرسم المستقبل للأجيال القادمة. وحتماً ستبقى الذكرى العطرة والمهنية لهؤلاء الذين يقيمون عدالة وتوازناً بين شرف المهنة وظروف المجتمع. إننا نضم صوتنا إلى صوت العقل الذي خرج من مركز الدوحة لحرية الإعلام، ونأمل من زملائنا الإعلاميين وكل الكتاب أن يؤيدوا هذا الصوت، وأن تكون هنالك مسؤولية مشتركة بين الجميع لتحقيق الهدفين الساميين اللذين شملهما بيان المركز، وهما: وضع قانون جديد ومتطور للإعلام، وإشهار الجمعية القطرية للصحفيين التي مضى على طلبها أكثر من 15 عاماً. ولا نعتقد أن في تحقيق هذين الهدفين أية مشكلة، وخصوصاً أن الدستور ينص صراحة على حرية التعبير (مادة 48)، ولكن حيث إن الدستور قد صدر في 15/4/2003، فإنه من غير المنطقي أن تظل مرجعيته القانونية -فيما يتعلق بالإعلام- هي قانون المطبوعات الصادر عام 1979! وفي هذا القانون العديد من المواد التي تجاوزها الزمن، وتجاوزتها التجربة القطرية، بل إن الممارسة الصحفية منذ أكثر من اثني عشر عاماً كانت حقاً متجاوزة لذلك القانون، لكنه مع هذا ظل "البعبع" المخيف في عقول البعض! كما أن ذات الدستور ينص على تكوين الجمعيات المهنية (مادة 45). ونحن نتمنى أن يكون للجمعيات التي تمارس دور مؤسسات المجتمع المدني قانونها الصالح الملائم لطبيعة عملها، لا أن يطبق عليها القانون العام الخاص بالجمعيات البعيدة كل البعد عن اختصاصات مؤسسات المجتمع المدني. كلنا مسؤولون عن التجربة، والذي يرفع يده من هذه التجربة أو يستقيل منها مؤثراً الراحة على "الصداع" يخون التزامه الأخلاقي بالمساهمة في خدمة المجتمع. إن الدولة مقبلة على إقامة مؤسسات المجتمع المدني، وهي تحفل بالإنجازات على المستويات الاقتصادية والبنيوية والفكرية والثقافية، كما أن من شأن مؤسسات المجتمع المدني أن تدعم (دعامات العدل والإحسان والحرية والمساواة ومكارم الأخلاق) كما نصت عليها المادة رقم (18) من الدستور.