يقضي المنطق أن تكون الدول التي تزخر بالنفط غنية، حيث يفترض أن تعيش البلدان النامية والمنتجة للنفط التي جنت أرباحاً طائلة على مدار السنوات القليلة الماضية عندما كانت أسعار النفط مرتفعة، وضعاً مريحاً حتى بعد انخفاض الأسعار، لكن الأمور لا تبدو بهذه السهولة في جميع الدول النفطية. فبلد مثل فنزويلا يعاني بسبب سوء إدارة مداخيله النفطية، من ارتفاع معدل التضخم وتراجع إنتاج النفط، بل تتحدث حالياً عن تدابير تقشف محتملة، رغم أنها أكبر مصدر للنفط في الجزء الغربي من الكرة الأرضية. والواقع أن التجربة التاريخية تظهر بوضوح كيف تتحول احتياطات النفط والغاز الطبيعي إلى نقمة بدل أن تكون نعمة بالنسبة للبلدان الفقيرة بسبب ما تفتحه تلك الثروات من شهية على الفساد، وإهدار المال فيما لا يفيد. ولنا في نيجيريا خير مثال على نقمة الموارد، إذ رغم نصف تريليون دولار من مداخيل النفط التي جنتها منذ ستينيات القرن الماضي، زادت معدلات الفقر وتفشى الفساد، فضلاً عن انتشار العنف في دلتا النيجر وتأثيره السلبي على إمدادات الطاقة. لكن ما الذي يمكن القيام به لتصحيح المسار؟ في هذا الإطار لابد من الإشارة إلى التقرير الجديد الصادر عن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بعنوان "النفط ومفارقة الفقر"، لما يطرحه من إجابات قد تكون قادرة على حل هذه المفارقة. ومع أن التقرير لا يقترح حلولاً سحرية، فإنه يركز على ضرورة تضافر جهود خارجية مع المساعي الحكومية داخل الدول لمنع إهدار الثروات والتأكد من وصولها إلى مستحقيها بعيداً عن براثن الفساد وإساءة الاستخدام. ومن بين التوصيات المهمة التي خرج بها التقرير تعزيز إجراءات مكافحة الفساد واعتماد مزيد من الشفافية، حيث انخرط في هذا السياق البنك وصندوق النقد الدوليان في جهود حثيثة لتحسين وسائل مراقبة مداخيل الصناعات الاستخراجية. هذه الجهود تكللت بإطلاق مبادرة الصناعات القائمة على استخراج الثروات، وهي عبارة عن برنامج يمنح شهادة للدول وشركات النفط التي تلتزم بالشفافية وتوضح أوجه صرف الموارد التي تشرف على إدارتها. لكن مع ذلك مازال يواجه البرنامج صعوبات في التطبيق، لاسيما في بعض الدول مثل فيتنام التي يشكل النفط 30% من موازنتها، بحيث لم يبذل البنك الدولي، ومعه المؤسسات الأخرى المانحة، ما يكفي لمعالجة مسألة الشفافية الغائبة. وبالمثل فقد شاركت بعض الدول النامية، كالبيرو والإيكوادور وغيرهما، في البرنامج دون أن تحظى بمتابعة حثيثة لتعزيز قدراتها على إدارة مواردها النفطية. وقد كان لافتاً أيضاً التساؤل المشروع للمسؤولين في إندونيسيا عن السبب الذي يمنع انضمام الولايات المتحدة إلى مبادرة الصناعات الاستخراجية. وللتغلب على هذه المصاعب، تبرز الحاجة الملحة لبذل جهود على المستوى الدولي لمساعدة البلدان على إدارة مواردها والتأكد من عدم تعرضها للنهب، إذ مازال دور المؤسسات المانحة ضئيلاً في هذا المجال، كما أن الحضور المتنامي للصين في البلدان الأفريقية لم يأت بأي جديد لتعزيز وسائل المراقبة وتتبع إنفاق مداخيل النفط والغاز الطبيعي. ولأن أسعار الموارد تخضع لتقلبات السوق، إما صعوداً أو هبوطاً، كما نشهد حالياً مع النفط الذي تراجعت أسعاره مؤخراً، فإنه يتعين على الدول المنتجة تطوير وسائل الإدارة وأساليب المراقبة والمحاسبة مع اعتماد الشفافية كأداة لإنفاق الأموال. وفي هذا السياق يمكن القيام بخطوات مهمة من بينها انخراط الولايات المتحدة نفسها في برنامج المراقبة من خلال إخضاع عائداتها النفطية للتدقيق الخارجي لتشجيع الدول الأخرى على الاقتداء بها، كما يتعين على مجموعة دول الثماني الكبرى الانخراط من خلال دفع شركات الطاقة إلى نشر البيانات المتعلقة بمداخيلها والضرائب المفروضة عليها وباقي النفقات، بالإضافة إلى كشف تلك الشركات عن الأموال التي تدفعها للدول نظير إدارتها لمواردها النفطية واستخراجها من الأرض، والأهم من ذلك وقوف الولايات المتحدة مع هذه الجهود علَّ ذلك يحيل نقمة الموارد إلى نعمة يستفيد منها الجميع. ----- ديك لوجار ------ سيناتور جمهوري من إنديانا وعضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"