بينما كان متفاوضون من زعماء القبائل العربية ومسؤولون أكراد، يعقدون مباحثات حول سبل تحقيق الاستقرار والأمن في مدينة كركوك والعراق، فجر انتحاري نفسه في مطعم يعج بالزبائن العرب والأكراد ليقع 150 بين قتيل وجريح، ضِمنهم مسؤولون أكراد من حزب "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني، وزعماء عشائر عربية من أعضاء مجلس صحوة قضاء الحويجة. وتأتي الحملات الإرهابية الدموية بسبب قرب إجراء الانتخابات في المناطق المحلية في كل أرجاء العراق. التجربة الديمقراطية في العراق طوال السنوات الخمس الماضية أفرزت نماذج سيئة لمسار الديمقراطية في هذا البلد المنكوب، مما أعطى نموذجاً سيئاً لمستقبل الديمقراطية في الوطن العربي ككل. وفي السابق كان هنالك تصور لدى المثقفين العرب وأحزابهم المختلفة بأن تعثر الديمقراطية في الوطن العربي يعود سببه إلى سيطرة الأنظمة الاستبدادية التقليدية... وبعدها بدأ مسلسل الانقلابات العسكرية التي أفرزت أنظمة ديكتاتورية أسوأ من الأنظمة التقليدية التي أعقبت الاستعمار. وبعد انتهاء نظام صدام حسين في العراق، توقع الجميع أن تتعزز الديمقراطية وتترسخ أكثر، لكن مسلسل العنف والإرهاب والقتل على الهوية والمذهب، انتشر بشكل سريع ومؤسف. البعض يلوم الاحتلال الأميركي كسبب للعنف، والبعض الآخر يلوم إيران وسوريا لدعمهما للإرهابيين، والبعض الآخر يلوم بعض الدول الخليجية لما يقول إنه دعم يأتي منها للحركات السلفية الجهادية... لكن قليلين من ركزوا على طبيعة المجتمع العراقي وتركيبته الداخلية، وما إذا كانت مواتية للديمقراطية! اليوم وبعد توقيع الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة، وبينما تنتقل الإدارة في واشنطن من الحزب الجمهوري الى الحزب الديمقراطي برئاسة أوباما... هل تراجعت الولايات المتحدة عن أهدافها المعلنة في العراق والمنطقة بجعل العراق أنموذجاً للتغيير والديمقراطية في الشرق الأوسط؟ الولايات المتحدة انطلقت في دعوتها من رؤية إصلاحية تعتبر الديمقراطية هي المخرج من كوارث الاستبداد من جهة ومن توتر الإسلام السياسي المتشدد والمتعصب والطائفي من جهة أخرى. نعود للعراق مرة أخرى حيث بدأت الأحزاب السياسية حملتها للانتخابات المحلية التي ستجري قريباً، حيث نرى بأن هذه الأحزاب رغم مرور أكثر من خمس سنوات على الديمقراطية المفتوحة، تعود إلى الأطروحات الدينية والطائفية والقومية والانعزالية وينطبق ذلك على حركات ومؤسسات المجتمع المدني. الأحزاب الجديدة في العراق إما طائفية مغلقة (أحزاب الشيعة) أو عصبية قبلية (السُنة وجماعات الصحوة) أو أحزاب قومية منعزلة (الأكراد). فماذا عن مستقبل العراق السياسي؟ هل سيكون ذا منطلق عربي قومي كما يريد السُنة أو بعضهم؟ أو سيكون المنطلق إيرانياً كما يريد الشيعة؟ أو يصبح دولة ممزقة باسم الفيدرالية، كما يريد الأكراد؟ الإشكالية التي تواجه الحكومة العراقية هو محاولتها توثيق علاقتها بكل من إيران الإسلامية والولايات المتحدة الأميركية، فهي من جهة مرتبطة بعلاقات أمنية مع الولايات المتحدة وفي نفس الوقت يحاول الحزب الحاكم (الدعوة) فرض علاقته بإيران. وأخيراً نرى بأن البنية السياسية والأمنية في العراق بدأت تتغير بشكل تدريجي مما أشعر السُنة بوجوب انخراطهم في العمل السياسي، وكذلك فرض على الشيعة التفكير في مصلحة العراق ككل، أما الأكراد فإنهم سيشعرون بأن مصلحتهم في وحدة العراق وليس الدولة الانفصالية المعزولة. د. شملان يوسف العيسى