أول ما يتبادر للذهن، عند سماع تصريحات لمسؤولين إيرانيين حول قضية تفتيش المسافرين الإيرانيين عبر مطارات دولة الإمارات، هو الهدف الذي تنطلق منه تلك التصريحات؛ لأن القضية مر عليها أكثر من شهرين وأوضحت الإمارات موقفها في حينها، ما يعني أن في التصريحات لعبة سياسية لهدف آخر. الشيء المؤكد أن بين الإمارات وإيران خلافات وليس خلافاً واحداً فقط، وهذا أمر أظنه عادياً بين الدول، ومن المؤكد أيضاً أن وجود مثل هذه الخلافات ليس عيباً ولا مشكلة، بل المشكلة هي تحويل هذه الخلافات إلى قضية رأي عام، وبالتالي تجييش الشعب الإيراني عبر وسائل الإعلام حول الخلاف، كما هو الأمر حول قضية المسافرين، وقضية الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) التي تحتلها إيران، وقضية البرنامج النووي. فالعيب هنا أن تكون القضية وغيرها "شعبوية" لأنها بهذا ستكون بعيدة عن الحل العقلاني، بل إن ربط كل القضايا بأهواء وعواطف الشعوب هو دليل عجز، وتهييج للجماهير ضد دول الجوار رغم وجود أكثر من وسيلة وطريقة دبلوماسية لحل الأزمة. لم أجد تفسيراً لما يحدث من تكرار تصريحات المسؤولين الإيرانيين حول قضايا معينة ضد دولة الإمارات وخلق ردود فعل جماهيرية بين الحين والآخر حتى أصبح الموضوع بالنسبة لنا "مملاً"؛ لأن ما يقوم به رجال الجمارك من عمليات تفتيش في مطارات الدولة هو جزء من عملهم، وهو ما يفترض أن يقوموا به، وتركيزهم على مسافرين معينين أحياناً لا يأتي اعتباطاً، خاصة وأن الإمارات بها أكثر من 200 جنسية، والإيرانيون أكثر الجاليات دخولاً وخروجاً من مطارات الدولة، وإيران دولة تعتبر نقطة وسط بين منتجي المخدرات في أفغانستان وبين المستوردين لها، وبالتالي لن يكون سراً أن يخضع المسافرون الإيرانيون للتفتيش الدقيق، كما أنه ليس سراً أن إيران دولة بها نسبة كبيرة من جرائم المخدرات من متاجرين ومتعاطين، وهذا طبيعي في دولة ترتفع فيها نسبة البطالة ويزداد فيها عدد الفقراء. ما كان ينبغي على المسؤولين الإيرانيين هو أن يتجنبوا "التحسس الزائد" واعتقاد أن هناك استهدافاً لرعاياهم، وبالتالي افتعال معارك إعلامية لا تخدم مصلحة الدولتين ولا المساعي التعاونية بينهما. هناك حقيقة يجب الاعتراف بها؛ وهي أن إيران تتبع "عقلية التحريض" عبر تصريحات لطالما يرددها مسؤولوها بهدف إثارة الشعب الإيراني ضد دول مجلس التعاون وخاصة دولة الإمارات، وهي سياسة لا تخدم إيران بقدر ما تضرها. والمشكلة الأكبر أن مثل هذه التصريحات تجد أرضية في الداخل الإيراني متمثلة في وسائل الإعلام التي تهيج الشعب الإيراني، ومن ثم نرى الشعب الإيراني يقوم باعتصامات ومظاهرات تجاه قضايا سياسية لا علاقة لها باهتماماته اليومية، ما يذكرنا بطبيعة سياسات الأنظمة الشمولية، حيث الاعتصامات لأسباب تافهة. خطورة "عقلية التحريض" في الدول الشمولية هي أن تجد لها صدى في الداخل، وفي حالة إيران نجد أن من السهولة بمكان تجييش الجماهير الإيرانية من البسطاء وعوام الناس خلف قضايا مفتعلة أو معارك افتراضية اختلقها المسؤولون الإيرانيون طبعاً لأسباب متعلقة بمشكلات في الداخل الإيراني حيث الانغلاق الإعلامي والشمولية الإعلامية؛ ولعل هذا ما يفسر ردة الفعل الإيرانية الغاضبة تجاه القضايا الخلافية مع الإمارات ومع دول الخليج. والطبيعي أن يفترض المسؤولون الإيرانيون أن ما يقوم به رجال التفتيش الجمركي في الإمارات هو فعل عادي جداً تتبعه إيران هي وغيرها من دول العالم. أمام إيران فرصة للتعاون مع دولة الإمارات من خلال اللجنة المشتركة؛ فمن خلالها يمكن إنجاز الكثير. ونحن في الإمارات لا نحتاج إلى ضجة لا معنى لها حينما نمارس عملنا، بل ما نحتاج إليه من الجار الإيراني هو العقلية المتزنة والدبلوماسية الهادئة. بيننا وبين إيران قضايا خلافية عالقة؛ أهمها احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، وحل هذه القضايا لا يكون بتجييش الجماهير وتسييسها وإنما بالحوار والعقلانية الهادئة واستخدام لغة غير تلك التي يتبعها المسؤولون الإيرانيون في مخاطبة شعبهم، لأنها ليست لمخاطبة العامة بل هي لغة تهييج وتعبئة، إلا إذا كانت لهم أهداف لا صلة لها بحل الأزمات والخلافات، ويبحثون عن الإثارة واللغط وافتعال المواقف.