"أشباح" الإرهاب في باريس... و"هدية" أوروبية لإسرائيل حلول أعياد الميلاد على وقع التهديد الإرهابي في باريس، واستمرار الحديث عن سبل الخروج من الأزمة المالية، وحصول إسرائيل على محفزات شراكة "دون مقابل" من الاتحاد الأوروبي، موضوعات من ضمن أخرى ركزت عليها الصحف الفرنسية. تهديد إرهابي... في باريس: استقطب اكتشاف متفجرات في باريس هذا الأسبوع مع تحذير من جهة سمت نفسها "الجبهة الثورية الأفغانية" على اهتمام معظم كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية. في افتتاحية بقلم فابريس روسيلو بصحيفة ليبراسيون نجد تقليلاً من أهمية هذا الحدث، مع ترجيح لأن يكون التهديد وتدبير الحدث من الأساس صادرين عن فرد، أو مجموعة، داخلية فرنسية، أرادت استغلال مناسبة اقتراب موعد أعياد الميلاد لنشر الرعب، والضغط شعبياً على الحكومة الفرنسية، لإثناء عزيمتها عن الاستمرار في الالتزام تجاه أفغانستان. وهو ذات الاتجاه الذي تمضي فيه افتتاحية كتبها فرانسوا مارتين في "ميدي ليبر" الذي شكك، من الأساس، في وجود شيء يسمى "الجبهة الثورية الأفغانية"، ملفتاً الانتباه إلى حرص الجهة التي أخفت أصابع الديناميت في مركز تجاري باريسي على توجيه رسالة تحذير مع تحديد دقيق لمكان وجود المتفجرات، وهو ما يعني أن الغرض كان مجرد زرع الرعب في الشارع الباريسي لا إلحاق الأذى من خلال ترك أصابع الديناميت تنفجر وسط المتسوقين. ويسود الاعتقاد بأن "الإرهاب الداخلي" الفرنسي هو من يقف وراء هذه الفعلة، سواء أكان ذلك صادراً عن جماعات من "اليسار" أم "اليمين" المتطرفين. والهدف واضح، وهو الضغط على الرأي العام الفرنسي، وجعله يضغط بدوره على الرئيس ساركوزي لتغيير مقاربته الأفغانية. أما هيرفيه شابو فقد رصد في افتتاحية "لونيون" الكيفية التي حققت بها عملية الترويع الهدف الذي رمت إليه. فقد كان كافياً شيوع اكتشاف أصابع ديناميت وتردد الحديث عن إنذار إرهابي قبل حلول موعد عيد الميلاد بعشرة أيام لكي يستعيد الباريسيون أجواء الرعب التي عرفوها خلال تفجيرات عقد الثمانينيات الدموية. وتكفلت وسائل الإعلام بالمزيد من تضخيم الحدث وإسقاط الكثير من هالات الخطورة عليه. وكل هذه المعادلة يبدو أن مدبري "الإنذار" وضعوها في حسابهم بعناية، ولذا تحقق لهم ما أرادوا من ترويع باريس. وأخيراً ربط جان- مارسل بوجيرو في عموده بمجلة لونوفل أوبسرفاتور بين الحدث وبين قرب استلام الرئيس الأميركي المنتخب أوباما لمهامه، وما صدر عنه من طلب من حلفائه الأوروبيين بشأن زيادة أعداد جنودهم في أفغانستان، ولذا يقول الكاتب إن الرئيس الفرنسي يجد نفسه الآن في مواجهة موقف محرج نتيجة ضغط تعارض الداخلي في اتجاه تقليص الالتزام، مع الضغط الأميركي باتجاه زيادته، ومن هنا وحتى تتحدد معالم الخيارات التي سيتخذها، يبقى الخوف والحذر الشديد هما سيدا الموقف خاصة أن بيان الجهة الإرهابية المزعومة أعطى "موعداً" للانسحاب الفرنسي من أفغانستان لا يتعدى شهر فبراير المقبل، مهدداً بتفجير المراكز التجارية في قلب باريس إن لم يستجب لمطالبه. محاولات احتواء "الأزمة": ما زالت المساعي الأوروبية لاحتواء تداعيات وآثار الأزمة المالية العالمية موضوعاً رائجاً ضمن اهتمامات افتتاحيات الصحف الفرنسية، ففي صحيفة لوفيغارو كتب جاتان ديكابيل افتتاحية قال فيها إن كل شيء في الحلقة المفرغة التي نجمت عن الأزمة يتوقف على الخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة في سبيل تحفيز الدورة الاقتصادية العالمية وإنعاشها، كما يتوقف في حالة فرنسا تحديداً على عودة البنوك لفتح حنفيات القروض مجدداً. وهنا يتعين على الجهات الحكومية التي أطلقت برامج لتعويم المصارف أن تمارس بالمقابل دورها في الإشراف على الخطوات التي تتخذها البنوك في مجال الإقراض، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن يحل المسؤولون الحكوميون محل رجال البنوك في أداء عملهم. ويكتسي هذا الإشراف أهميته أيضاً من ضرورة التأكد من وفاء المصارف بالتعهدات التي قطعتها على نفسها أمام الحكومة والتي كانت في مقدمة مسوغات تدخل الخزينة العامة لإنقاذها. أما باتريك لوياريك فقد انتقد بشدة في افتتاحية بصحيفة لومانيتيه وصف الرئيس ساركوزي لمن "يناضلون" الآن في البرلمان والشارع ضد خياراته المالية بالغة السلبية بأنهم يشيعون "الفوضى"، مشيراً إلى أن البعض اعتاد على إطلاق تهم جزاف من هذا القبيل، في السابق، لتبرير التوجه السلطوي المتنامي للنظام القائم الآن في فرنسا. أما ما ينادي به الشعب الفرنسي فواضح ولا يحتاج إلى سجال: إن هذا الوقت، هو الوقت المناسب تماماً لجعل المال العمومي وسيلة للخروج من الأزمة المالية وآثارها، وليس بالضرورة أن يكون طريقة مكررة لإعادة تبديد الأموال وإغداقها على ذات المستفيدين الرأسماليين السابقين. رهان أوروبا الإسرائيلي: تحت هذا العنوان نشرت صحيفة لوموند أمس تحليلاً سياسياً كتبه ميشل بول- ريشار انتقد فيه بقوة القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي موخراً بالإجماع بتقوية الشراكة بينه وبين إسرائيل، مذكراً بالشروط التي انطلقت منها المفاوضات بين الطرفين عام 1995، والتي لم تتعامل معها الدولة العبرية إلا بالتجاهل والخرق الفاضح، ومع ذلك ها هي بروكسل تكافئها على ذلك الآن. فاشتراط الربط بين فرص تعزيز الشراكة وبين إبداء جدية أكبر في المضي قدماً على طريق السلام يمكن الحكم على ما تحقق منه بما يجري من أوضاع على الأرض. فبعد مرور سنة على اجتماعات أنابوليس في 27 نوفمبر 2007، أصدرت منظمة "السلام الآن" الإسرائيلية تقريراً رسم صورة سوداء لما يجري، أكدت فيه أن عمليات الاستيطان الإسرائيلي شهدت خلال العام المنقضي قفزة هائلة، حيث زاد عدد مناقصات بناء المستوطنات بنسبة 1678%، وتضاعف عدد أذونات البناء أكثر من ثلاث مرات. ولم يتم تفكيك أي من المستوطنات العشوائية الـ110، كما قتل 498 فلسطينيا، وجرح 2148 آخرون. وفي المجمل فقد شهدت الأشهر الأخيرة توقفاً كئيباً لعملية السلام، وإمعاناً إسرائيلياً في تخليق جميع الظروف التي تجعل قيام الدولة الفلسطينية المستقبلية ضرباً من المحال، كما نبه إلى ذلك رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض موخراً. ولذا فإن المفارقة التي يرسمها القرار الأوروبي المتخذ يوم 9 ديسمبر الجاري، تبدو متنافية مع ما تسعى إليه أوروبا من لعب دور فعال في قيام الدولة الفلسطينية، وفي ترسيخ سلام دائم في الشرق الأوسط. ويرى الكاتب أن من شأن الرفع من مستوى الشراكة مع إسرائيل أن يرسل رسالة خاطئة في تل أبيب مؤداها أن الشروط الأوروبية بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان ومواصلة مسيرة السلام والاستجابة لاستحقاقاتها كاملة، ما هي سوى ديباجات فارغة تم تجاوزها، من خلال هذه "الهدية" المجانية التي تطوع الأوروبيون بإعطائها للدولة العبرية. والأعجب من هذا كله أن المسؤولين الأوروبيين يبررون ذلك لنظرائهم العرب بأن من شأنه أن يمنح أوروبا قدرة أكبر على التأثير في الطرف الإسرائيلي ومن ثم على فرص ترسيخ دعائم عملية السلام. ولكن المستقبل سيكشف إن كان ذلك ممكناً. إعداد: حسن ولد المختار