الإنسان الضعيف يبحث عن أسباب تعثره ليرمي به بعيداً، عنه والأمة الضعيفة لا تبحث عن الحقيقة وتتوق لإخفائها وتبحث عن تبريرات لفشلها فتارة تذهب إلى عقلية المؤامرة وترمي بكل أسباب فشلها على من يحيكون المؤامرة وفي حقيقة الأمر العلة تكمن في النفس وفي الداخل. من يقوم بذلك هم الضعفاء الذين لا يقبلون بالحقيقة ويجدون فيها عذاباً للنفس لأنهم لا يملكون الشجاعة والشفافية لتقديم الاعتراف. أنا أعمل، فمن المؤكد أني أخطئ إذن ولا عيب بل العيب في الابتعاد عن الحقيقة والضعف في مواجهة ما يؤلم النفس. لفت انتباهي خبر شيخ الأزهر الذي تصافح مع شمعون بيريز فقامت الدنيا عليه لأنه أساء للإسلام بملامسته يد من نختلف معه ولكن نتعامل معه فمصر والأردن وقطر تقيم علاقات مع إسرائيل، وهناك من يعلنون عن أنفسهم، لكننا نحن نعلن عن مبادرة السلام العربية التي قدمها خادم الحرمين الشريفين ونعتبرها عقلانية ولكن نقفز ونتمسك بصغائر الأشياء ونتناسى الواقع. الغرابة أن المصافحة لا تقدم ولا تؤخر حيث اللقاء كان شمولياً إذ ضم زعماء العالم وإسرائيل منهم فمن كان لديه اعتراض فعليه أن لا يحضر اللقاء، لكنه العقل العربي الذي تعود على تعليق الفشل على شماعات هشة يبرر بها عجزه حيث هو غير قادر على هضم كبائر الأحداث والتفكير بعقلانية في التعامل مع أحداث العالم. هو عقل تربى على الهروب وعلى التبرير فهو يبرر كل شيء ويبحث عما يريحه في مواجه النفس ويبحث في الأمور التافهة التي تشغل بال الأمة وتشق الأرض بينها لخلق الفتن والانشغال بتوافه القضايا. تذكرت موت نزار قباني في لندن وكيف اختلفوا حول الصلاة عليه في المسجد حيث هناك من اعترض واعتبره فاسقاً لا تجوز الصلاة عليه، وكأن هؤلاء هم من يحكم ويقرر مصيره إذا ما كان في الجنة أم النار وينسون أنه مخلوق كبقية الخلق وأن الحساب عند رب العباد، والحمدلله على أننا لا نراهم يوم الحساب ليقذفوا علينا بتفاهاتهم. وفي هذه المعمعة هم يشوهون صورة الإسلام والمسلمين وقد جروا الويلات على الأمة من تقديمهم لفتاوى معلبة يسوقونها كما تسوق المنتجات عبر الفضائيات، وهم من دفع إلى الخواء الفكري وزجوا بالشباب نحو تبني ثقافة الموت وصوروا لهم الدنيا على أنها متاع ملوث وعليهم أن يقتلوا ويقتلوا لأجل الفوز بالجنة التي وعِدوا بها هؤلاء الأبرياء وكأنهم يملكون مفاتيحها ويطلقون علينا عبر فضائيات مهووسة بفتاوى تعلمنا كيف نقدم الرجل اليمنى قبل اليسرى وجواز غسيل ملابس المرأة من قبل رجل، وكأن الرجال عليهم أن يرافقوا ملابس نسائهم حين غسلها، وهكذا شغلوا العقول الفارغة بهوسهم ويقولون لنا إنهم حماة الدين ووضعوا أنفسهم كأوصياء على عباد الله. المؤلم في الأمر أن المجاملة طغت حتى على ذوي العقول والحكمة في مواجهة هذه الحماقات فاعتقدوا بقبولهم أن الأمة ضعفت وانتهزوا ضعفها وخواءها ليروجوا لكل سخافاتهم ونشطوا في تعبئة العامة ضد كل من يقول الحق والحقيقة ويروج للعقل والحكمة في تفسير أمور دنيانا، فهم تارة يصفون هذا باليسار وذاك بالعلمانية وآخر بالفساد والتآمر على الدين... فاستطاعوا أن ينفذوا إلى النفوس ويقلبوا الحقائق ويزوروها. والمحزن أنه لم يعد لنا إسلام واحد فأصبح لدينا مدارس ومذاهب مما دفع البعض للترويج لمذهبه والتعصب لفكره حتى وصل الحال إلى المواجهات الدامية بين بعض من الشيعة والسنة كما هو الحال في العراق وباكستان، فهم يدفعون لمزيد من الانقسام بل يروجون لفكر التدمير الذي بدا لنا واضحاً في بعض من مجتمعاتنا.