تعبر بعض المنظمات الحقوقية الإسرائيلية عن قلقها من تزايد المشاعر العنصرية لدى الإسرائيليين ضد فلسطينيي 1948، مؤكدة في تقاريرها العديدة على توجهات متزايدة من المجتمع الإسرائيلي "لتشجيع" فلسطينيي داخل الخط الأخضر على "الهجرة" (أي الطرد أو الترانسفير "الناعم" كما يسمونه) إضافة إلى معارضتها مشاركة الأحزاب العربية في الحياة السياسية باعتبارهم "طابوراً خامساً"، محذرة من أن مشاعر الخوف والحقد والعنصرية الإسرائيلية تترجم مؤخراً إلى أفعال، خاصة مع تعاظم قوة أحزاب يمينية متطرفة كرستها الانتخابات الأخيرة. في منتصف ثمانينيات القرن العشرين، صعد نجم الحاخام "مائير كاهانا" مطالباً بطرد العرب من القدس‏، ومنع الزيجات المختلطة بينهم وبين اليهود‏،‏ واعتقال أي يهودي من الجنسين يقيم علاقة عاطفية أو جسدية مع عربي أو عربية‏.‏ وقد استطاع كاهانا أن يحتل مقعداً في الكنيست‏،‏ وأن ينشئ حزباً دينياً متطرفاً دعا فيه لمقاطعة فلسطينيي 1948 وحرض على قتلهم‏ أو ترحيلهم جميعاً إلى البلاد العربية المجاورة‏. غير أن نشوء تحالف حزبي واسع (ولو مؤقت) من اليسار حتى اليمين الليبرالي جعل الكنيست يسن قانوناً ضد العنصرية واضعاً "حزب كاخ" (حزب كاهانا) خارج القانون. لكن في مقال نشرته "إسرائيل اليوم" بعنوان "آن أوان انتزاع العنصرية من إسرائيل"، يقول الكاتب يهوشع سوبل: "إن القانون الضعيف الذي استنفد نفسه مع إخراج حزب كاخ خارج القانون، لفظ أنفاسه بعد مدة قصيرة من تشريعه. لا نذكر حالة واحدة قدمت فيها دعوة ضد أحد ما في إسرائيل على أساس ذلك القانون فأرسل للسجن لأنه رفض مثلا تأجير شقة لطالبة عربية، أو لأنه رفض طلب عائلة عربية بشراء قطعة أرض وبناء بيت في منطقة ريفية إسرائيلية. هذا ليس لأن مثل هذه الحوادث لم تحدث، فهي تواصل الحدوث سابقاً وحاضراً طوال الوقت". ومع استمرار الممارسات القائمة ضد المواطنين العرب، سواء في مناطق احتلال 1948 أو 1967، والتي تزخر بها الصحف اليومية، تتجلى الأوبئة العنصرية في إسرائيل من خلال المواقف الأيديولوجية السياسية للأحزاب التي تشكل المنابع أو المستنقعات الأحدث لبكتيريا العنصرية الإسرائيلية. وفي هذا السياق، نركز اليوم العدسة على خمسة أحزاب يمينية متطرفة، تدعم الاستعمار الاستيطاني وترفض التنازل عن القدس أو الانسحاب من الضفة الغربية، وتؤمن (إيمانا صادقاً، "كاذباً لنا" بالطبع)، بضرورة اقتلاع فلسطينيي 1948! هذه الأحزاب، يرى فيها زعيم حزب "الليكود" (بنيامين نتانياهو) التكتل المساند لتشكيل حكومته، رغم أنه ليس معروفاً بعد إن كان "نتانياهو سيلجأ إلى هذه الأحزاب ليشكل القاعدة البرلمانية لحكومته، أم يفضل عليها حكومة "وحدة وطنية" مع كل من "العمل" و"كاديما" لتكون مقبولة من المجتمع الدولي. وتجعل طبيعة هذه الأحزاب من فلسطينيي 1948 "الضحية الأولى"، إذ تؤمن هذه الأحزاب (متذرعة بالاختلال الديموغرافي في إسرائيل) بأن الحل يتجسد بعملية طرد (ترانسفير) جديدة للحفاظ على طابع "الدولة اليهودية"! في طليعة هذا المعسكر المتطرف حزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة أفيغدور ليبرمان، صاحب "الجوهر" العنصري حيث يفوح ذلك من مواقفه "المبدئية" و"السياسية". فهو يؤمن بأن "الأمن القومي" يجب أن يكون في رأس سلم أولويات الدولة العبرية، بمعنى أن تعتمد إسرائيل على قوتها العسكرية، فخلال "الحرب يجب دحر العدو وتحقيق انتصار واضح، لا البحث عن تسوية وذلك لردع (الأعداء) ولفرض السلام عليهم". كما يرى وجوب ضم كل المستعمرات في القدس والضفة الغربية (قادة الحزب "مستوطنون" فيها) لضمان غالبية يهودية مطلقة تتحقق أيضاً بترحيل فلسطينيي "وادي عارة" إلى أراضي السلطة الفلسطينية المتناقصة أصلا بقوة المصادرة وإقامة المستعمرات الاستيطانية، وعدم خضوع القدس "العاصمة الأبدية لإسرائيل و(الشعب اليهودي)" لأي مفاوضات، "بل يجب تقويتها بدعم الاستيطان فيها وحولها". كما يتبنى الحزب سياسة متشددة مع فلسطينيي 1948، ويشترط عليهم "قانون المواطنة الذي يشكل لبنة مهمة في أمن إسرائيل اليهودية والصهيونية"، بحيث يحصلون على المواطنة بـ"إعلان ولائهم لإسرائيل كدولة يهودية ولرموزها ولسيادتها ولوثيقة استقلالها، وقبول واجب خدمة الدولة عسكرياً ومدنياً. وفقط من يوقع على بيان الولاء يحصل على حقوقه كمواطن"! أما حزب "شاس"، الديني الشرقي المتزمت، الداعم الأول للاستعمار الاستيطاني، فيعارض أيضاً طرح قضية القدس في أي مفاوضات مع الفلسطينيين، مثلما يعارض انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة. وموقف الزعيم الروحي للحزب (عفوديا يوسف) لا يخفى على أحد. فقد أهدر دماء أهالي قطاع غزة شيوخاً ونساءً وأطفالا، وحفز الجيش على صب مزيد من "الرصاص المصهور" فوق مدارس ومستشفيات القطاع، وهو صاحب مقولة "اللهم صب غضبك على الأغيار... وانتقم من العرب وأبد ذرّيتهم واسحقهم وأخضعهم وامحهم عن وجه البسيطة"! ومن جهتها، فإن حركة "يهدوت هتوراة"، التي تمثل المتدينين المتشددين من الأشكناز، قد تكون مواقفها أكثر تشدداً من مواقف "شاس" خاصة تجاه ضرورة ترحيل فلسطينيي 1948. أما "الاتحاد القومي"، الحزب الأكثر تطرفاً "بامتياز" على الخريطة الحزبية الإسرائيلية، والذي انقسم على نفسه ("الاتحاد القومي"، و"البيت اليهودي -مفدال الجديد") فأركانه من غلاة المستعمرين "المستوطنين" ومن أركان "الصهيونية الدينية المحافظة"، ويعارضون أي تجميد للنشاط الاستعماري بل يدعون إلى تعزيزه في النقب والجليل حتى لا يشكل العرب غالبية فيهما. كما يعارضون أي انسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة، بل إن "البيت اليهودي" ينادي بإلغاء اتفاقات أوسلو. ويرفض "الاتحاد القومي"، بشقيه، "إقامة أي كيان سياسي إضافي في أي مكان غرب نهر الأردن"، ويعمل "على تطبيق السيادة اليهودية في جبل الهيكل (المسجد الأقصى والحرم الشريف)"، و"وجوب حل قضية اللاجئين الفلسطينيين بإعادة توطينهم في دول عربية". إن ظاهرة العنصرية متأصلة في الفكر الصهيوني وفي إسرائيل، وليست ظاهرة مستجدة. ذلك أن "رأس النبع" أو المستنقع لهذه الطروحات العنصرية (التي تقود بالضرورة إلى المقارفات العنصرية اليومية في فلسطين) يتجسد في "الفكرة الصهيونية" الأصلية، سواء كانت عنصريتها "ناعمة" عند "الآباء" مثل (ثيودور هرتزل) وصحبه، أو "فجة" كما هي عند (فلاديمير جابوتنسكي) ومريدوه. وها نحن نراها اليوم تنحدر إلى الأبناء والأحفاد من نوع (مناحيم بيغن) الراحل وابنه النجم الصاعد في الليكود، أو (ليبرمان) وتلامذته المتغلغلين في ثنايا حزبه العنصري. وها إن الفرز الانتخابي الأخير للكنيست يضع ظاهرة العنصرية تحت المجهر وعلى نحو جعل الوجود الشعبي العربي في أراضي فلسطين التاريخية هدفاً استراتيجياً إسرائيلياً أكثر من ذي قبل. وكما هو متوقع، لقد تنامى هذا الخطر على نحو سرطاني مع نمو التوجهين (القومي العربي والإسلامي) في أوساط فلسطينيي الداخل، وذلك "بفضل" تأكيد الكيان الصهيوني (المتفاقم في توسعيته وعنصريته تحت وطأة تكاثر ونمو أحزابه المتطرفة دينيا وقوميا) على جعل فلسطين -بين النهر والبحر- خالصة لليهود، الأمر الذي قاد ويقود إلى نشوء واستشراء الممارسات العنصرية الإسرائيلية.