سرعان ما تبدد ذلك الشعور بالارتياح الذي ساد العالم في أعقاب نهاية الحرب الباردة، بكل ما كانت تعد به البشرية من تهديد نووي دائم. فبدلاً من الصراع التقليدي بين الشرق والغرب، ثم صراع المعسكرين مع بقية دول العالم الأخرى المهمشة وفقاً لعلاقات الثنائية القطبية التي سادت العالم حتى انهيار المعسكر السوفييتي، يتعاظم الخوف اليوم من تمكن الجماعات الإرهابية المنتشرة على نطاق العالم، من وضع يدها على السلاح النووي، بغية استخدامه لأهدافها ضد المجتمعات المدنية قبل أهدافها العسكرية. ومما يزيد هذه المخاوف أن تنظيم "القاعدة" رفع مهمة الحصول على السلاح النووي إلى مقام متقدم على ما سواه. والهدف المعلن هو شن 11 سبتمبر أخرى، لكن بسلاح نووي أشد فتكاً ودماراً هذه المرة. هذا هو الكابوس المقلق الذي تصدى لدراسته كل من داني بي. ستيلمان وتوماس سي. ريد مؤلفا هذا الكتاب، اللذان يعدان من أبرز الخبراء النوويين. وأهم ما يناقشه الكتاب، الكيفية التي وصل بها عالم اليوم إلى ما هو عليه من تعرض جدي لخطر نووي من نوع آخر. وإذا ما أراد العالم إحسان اختياره وقراراته الأمنية في ضوء البدائل المتاحة حالياً، فلا بد من فهم تاريخ السلاح النووي والسياسات المحيطة به قبل أي شيء آخر. يقول المؤلفان: لنفترض أن يوسف إسلام -منفذ أول التفجيرات التي شهدها مركز التجارة العالمي في التسعينيات- قد تمكن من وضع قنبلة نووية بدائية بزنة 5 كليو غرامات في صندوق شاحنته، والتي هي قادرة على حمل عينة نووية لتلك القنبلة البدائية التي صنعتها جنوب أفريقيا في ثمانينيات القرن الماضي. وفي أعقاب الاعتداءات التي تعرض لها مركز التجارة العالمي في عام 1993، أجرى الخبراء النوويون الأميركيون إحصاءات تقريبية لحجم الضرر الذي يمكن أن يسببه انفجار قنبلة نووية بدائية في شوارع مانهاتن بتاريخ 26 فبراير 1993، أي في اليوم نفسه الذي وقعت فيه تلك الاعتداءات. والقصد هو الأخذ في الاعتبار بحالة الطقس وحركة الرياح في اليوم المحدد. وحسب التقديرات، فإن النتائج الأشد إثارة للرعب هي: تدمير معظم المباني الواقعة جنوب سنترال بارك ومقتل جميع ساكنيها والعاملين فيها. وكذلك مصرع الملايين من مواطني مدينة نيويورك ممن يقيمون في شارع رقم 125، جراء التأثيرات الإشعاعية. وإصابة الملايين من سكان المدينة بالأمراض الإشعاعية الخطيرة، خاصة السرطان. وأخيراً اشتعال النيران الهائلة في الجزء الأعظم من مناطق مانهاتن السفلى، مثل بروكلين وهوبوكن. يقول المؤلفان إنه ما لم يتم الأخذ بدروس تاريخ التعامل مع السلاح النووي، فليس مستبعداً أن تضع إحدى المنظمات الإرهابية يدها قريباً على المواد والتكنولوجيا القادرة على تطوير القنبلة النووية، حتى وإن كانت في أشد أشكالها تخلفاً وبدائية. وعندئذ تستطيع وضعها في شاحنة أو حاوية أو سفينة، فتحدث النتائج التقريبية نفسها في أي مدينة أخرى من المدن الأميركية، أو غيرها من مدن العالم الغربي الأخرى. ومهما كان صغر هذه القنبلة وبدائيتها، فإن ذلك لا ينفي قدرتها على إحداث دمار هائل بالمجتمعات المدنية ومؤسساتها، في أي بقعة من بقاع العالم، وخاصة في أميركا باعتبارها العدو الرئيسي للجماعات الإرهابية. لكن هل تقف أهداف هذه الجماعات في حدود قتل أكبر عدد ممكن من الأميركيين والغربيين عموماً؟ كلا بالطبع، فالهدف الأقصى هو هدم قيم ورموز الحضارة الغربية، وإقامة رموز المجتمع البدائي المتخلف مكانها، على نحو ما فعلت حركة "طالبان" في أفغانستان قبل الغزو. يشار إلى أن الخلفية التاريخية التي اهتم بها الكتاب هي ذات صلة بسرقة أسرار أول قنبلة هيدروجينية طورها الروس، وكذلك سرقة أسرار البرنامج النووي الروسي الذي بدأ في ثلاثينيات القرن الماضي. ففي عام 1991 كان ستيلمان قد دعي لزيارة منشأة "ساروف النووية" من قبل "يولي خاريتون" الذي يعتبر المسؤول الرئيسي عن تطوير البرنامج النووي الروسي. وكان ستيلمان قد فهم من مضيفيه الروس، أنه أول خبير نووي أميركي يسمح له بزيارة ذلك الموقع السري. غير أن الاستنتاج الذي توصل إليه المؤلفان لاحقاً، أن ذلك الزعم الروسي لم يكن في حقيقة الأمر سوى محاولة للتستر على الجهد المكثف المستمر المبذول في مجال الاستخبارات الفنية ذات الصلة بالبرامج النووية السوفييتية. كما أن لتلك الخلفية التاريخية صلة بالنشاط الاستخباراتي المضاد للبرامج النووية الصينية. ومع تسارع واتساع دائرة انتشار السلاح النووي، فإن هناك مخاطر جديدة لم تكن في الحسبان أصلاً طوال فترة الحرب الباردة، وتتمثل في برامج كوريا الشمالية وطموحات إيران، إلى جانب التسلح النووي الباكستاني. وهذه جميعها دول تسودها اضطرابات، وليس مستبعداً تمكن الإرهابيين من الحصول عبرها على ما يتطلعون إليه من أسلحة دمار شامل نووي. عبدالجبار عبدالله ---------- الكتاب: تسارع الخطر النووي: التاريخ السياسي للقنبلة المؤلفان: داني بي. ستيلمان وتوماس سي. ريد الناشر: شركة MBI للطباعة والنشر تاريخ النشر: 2009