لا يختلف اثنان على أهميّة الاستماع إلى الرأي الآخر، وضرورة الاستفادة من وجهات النظر الناقدة أياً كانت مبرّراتها، ومن هذا المنطلق فقد دأبنا في "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" على الانفتاح على مختلف وجهات النظر، والاستفادة منها، وتوظيفها، والبناء عليها، بما يصبّ في خانة هدف محوريّ هو إعلاء مكانة هذه المؤسّسة البحثيّة الرائدة. وانطلاقاً من أن النقد -في النهاية- تعبير عن موقف، وتفاعل مع حدث، يتيح لك رؤية الوجه الآخر من الحقيقة، أو "الجزء الفارغ من الكوب"، كما يقال، وباعتبار أن كلاً منا يرى ما يريد رؤيته بحكم أن هذه الرؤية النقدية محكومة -في النهاية- بمنهج محدّد وروزنامة أهداف وموروث التجارب والخبرات التراكميّة، فإننا نشكر صحيفة "الإمارات اليوم" على الملاحظة التي أوردتها في زاوية "سكيك" بالصفحة الأخيرة في عدد يوم الثلاثاء 10 فبراير الجاري، بشأن "شكوى" صحفيين وإعلاميين من موقع المركز الإعلامي لـ"مؤتمر الموارد البشرية"، الذي نظّمه "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية"، مؤخراً، حيث نقلت الزاوية عن صحفيين وإعلاميين أنهم شاركوا في المؤتمر، واشتكوا من أن قرب المركز الإعلامي من "البوفيه" قد "أعاق بعضهم عن إنجاز عمله جرّاء الضوضاء وضيق المساحة". لا نسعى إلى مجرد التمترس وراء موقف ذاتي، بل نرى أن هذه "الشكوى" ربّما كانت نابعة من واقع ما، أوْ لها نصيب من الحقيقة والمبرّرات، على الأقل لدى القائلين بها، لكنّ هذا الموقف يذكّرنا بإشكالية مثيرة ربما هي الوازع الأساسي للتعليق على هذه الشكوى؛ وهذه الإشكالية تواجه، بنسب متفاوتة، الكثيرين في مواقف مماثلة، وتنبع من محاولة إرضاء الشريحة الكبرى، سواء كانوا إعلاميين أو متخصّصين أو جمهوراً عادياً. المفارقة التي تصوغها هذه الإشكالية أن "المركز الإعلامي" للمؤتمر السنوي الذي ينظّمه "مركز الإمارات للدراسات" كان يقع في مكان آخر بمعزل عن الردهة الرئيسية المخصّصة لاستقبال الضيوف، وعندما اشتكى بعض الإعلاميين من "المسافة" التي تفصل بين القاعة الرئيسية للمؤتمرات في الطابق الأرضي والمركز الإعلامي في الطابق الأول، تمّ نقل المركز الإعلامي، بعد استطلاع آراء العديد من الإعلاميين، كي يكون قريباً من قاعة المؤتمرات استجابة لشكاوى بعض الصحفيين والإعلاميين، ولأنه من الصعب إدراك رضا الجميع، فقد قوبل الموقع الجديد بشكوى جديدة من "الضوضاء وضيق المساحة"! المؤتمر السنوي الأخير للمركز شهد إقبالاً غير عادي، بحكم أهمية موضوع المؤتمر الذي عقد تحت عنوان "الموارد البشرية والتنمية في الخليج العربي"، وكذلك ما ناقشه من قضايا ومحاور أعادت في مجملها فتح هذا الملفّ الحيوي، وطرحت ما بداخله لنقاشات ومداخلات ثرية من جانب مسؤولين وأكاديميين وخبراء ومتخصّصين وإعلاميين وغير ذلك، وكان الوجود الإعلامي المكثّف داخل ردهات المؤتمر أمراً يتماهى مع أهمية الموضوع، وينبع من مكانة المشاركين وما يطرحونه من أوراق عمل ورؤى استراتيجية يحرص المركز دوماً على وجودها ضمن أنشطته البحثية المختلفة؛ وهذا الوجود المكثّف للإعلاميين والمتخصّصين، بشكل عام، هو جزء من مشهد "الضوضاء وضيق المساحة" الذي أشارت إليه زاوية "سكيك". المفارقة التي تحدث أحياناً أن "تململ" البعض من ضيق المساحة، قد يمثّل مؤشّر نجاح، ودليلاً على الإقبال الجماهيري لدى المنظّمين، على سبيل المثال، وهكذا تتّضح المفارقة، ويتباين وجها العملة، ولكن هذا قد لا يفرز ثنائية الصواب والخطأ، وقد لا يضع الجانبين على طرفي نقيض، أي قد لا يعني بالضرورة أن أحدهما مخطئ، وأن الآخر على صواب، ولذا من المجدي أن نستخلص العبرة في أن هناك من يريد للنجاح أن يكتمل ويتكامل، وأن يتخلّص من أي نواقص، حتى لو كانت مجرد تفاصيل أو شوائب صغيرة، حتى لا تعلق بأيّ من زوايا مشهد النجاح، فتعكّر عليه صفوه، وتنال من نقائه وشفافيته، وهذا هو التجسيد الحقيقيّ الذي نراه وندعمه لدور الإعلام، والصحافة على وجه التحديد، في إبراز أيّ سلبيات مهما تضاءلت، وتسليط الضوء على أيّ "هفوات"، انطلاقاً من مشاركتنا الإعلام في رسالته، وقناعتنا بدوره النقديّ وقيمته في ارتقاء الأداء. نحاول في النهاية أن ننتهز الفرصة وندعو أنفسنا والآخرين كي نفتح قلوبنا للنقد، ونتغاضى عن الحساسيات الذاتية مادام القلم الناقد شفافاً وبنّاءً وهادفاً إلى الصالح العام، الذي هو مبتغانا جميعاً. ـــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.