منذ أن استخدمت الهاتف الجوال، تركت عادة لبس ساعة اليد، معتمداً على ساعة الهاتف، وخاصة أنني في عالم عربي لا قيمة ولا احترام فيه للوقت. ولكن مثل هذا الأسلوب في التعرّف على الوقت لا يفيد أثناء المحاضرات الجامعية لمعرفة وقت انتهاء المحاضرة، فكان لابد من وضع ساعة اليد، وهو أمر لم أتقبله بسبب اعتيادي على عدم لبسها، فما كان مني إلا أن طلبت من أحد الطلبة من الذين يضعون تلك الساعات اليدوية الكبيرة، حتى تحسبها وكأن ساعة بـ"بغ بن" اللندنية الشهيرة قد تم تصغيرها لتصبح ساعة يد، طلبت منه وضع كفه بشكل ظاهر طوال مدة المحاضرة (ساعة وربع) بحيث إنني أرى عقارب الساعة للتوقف عند انتهاء وقت المحاضرة. وكالعادة لم يعترض الطالب على الطلب، وعرفت وقتها، منفعة الديكتاتورية. وسألت الطالب عن سبب عدم اعتراضه على طلبي، فقال: اعترض عليك، معاذ الله. قلت له: تخاف على درجة الامتحان! فضحك الطالب وكان خفيف الدم، كلك نظر يا دكتور. فأنبته مبيناً للطلبة أهمية الاعتراض على الظلم، أو ضد من يحاول أن يفرض عليكم ما لا تريدوه. وحولت الموضوع إلى محاضرة محاولًا أن أبين لهم أن أحد مساوئنا كعرب هو قبولنا للديكتاتورية وخضوعنا لها دون سؤال أو اعتراض، وضربت لهم مثال الأمر الذي فرضته على الطالب الذي كان بالمناسبة، يضحك!! وطلبت منهم أن يبدوا رأيهم في الموضوع. وللعجب وجدتهم جميعهم يؤيدون مسلكه بعدم الاعتراض، ولماذا يعرض نفسه للمشاكل مع أستاذ المقرر بالرسوب أو احتمال انخفاض الدرجة! ولكنني اعترضت على هذا الرأي متسائلًا عما إذا حاضرت لهم عن موضوع ليس للدرس علاقة به، فهل سيقبلون أيضاً؟ فما كان من أحدهم إلا أن قال: دكتور، لا نعرف إلا ما علمتنا! فتذكرت مقولة المفكر العربي د. فؤاد زكريا الذي كتب افتتاحية موضوع "الطاعة مرض عربي"، في مجلة "العربي" الكويتية في الستينيات من القرن الماضي!! ومما تجب ملاحظته أن الإنسان العربي غالباً ما يتفاخر يما لديه من ساعات ثمينة، ولا يخجل من عدم احترام الوقت، بل إن الوقت أرخص من الهواء في العالم العربي. ولذلك تجد من الطبيعي جداً أن يواعدك أحدهم موعداً بعد صلاة العشاء!! وهو وقت يمتد منذ ما بعد الصلاة حتى صلاة الفجر لليوم التالي!! وبسبب عدم احترام المواعيد بالنسبة للإنسان العربي، استفدت كثيراً من عدم وجود الساعة حول معصمي. فالاعتماد على ساعة الهاتف الجوال يؤدي إلى استخدامه من النظر في الرسائل، إلى البحث عن مكالمات لم أرد عليها، إلى الضحك على الصور التي قمت بتصويرها، ثم محادثة الزوجة أو أحد الأصدقاء لقتل الوقت، بدلًا من قتل صديقك. وقد اعتادت زوجتي على ذلك بحيث إنها كانت تفاجئني بالقول، تأخر صاحبك!! ومن اللطيف أنني غير موفق في اختيار الساعات اليدوية، فما أن أقوم بشراء واحدة، حتى يستولي عليها أحد الأبناء، أو يتلاشى بريق جمالها في عيني بعد الشراء، فأضعها في الدرج وأنساها مع مرور الوقت. وقد أهداني أولادي ساعة يد جميلة في عيد ميلادي (وللحق لم تصدر وزارة الصحة في الكويت شهادات الميلاد إلا عام 1956، وأنا من مواليد 1951!!)، ولكنني لم أتمكن من استخدامها لأنها من الساعات الحديثة الثقيلة على اليد... والقلب. وهي ترقد الآن بأمان في أحد الأدراج. لماذا يلبس الإنسان العربي ساعة اليد، ويحرص على أن تكون ثمينة لكي يراها الجميع. لكن لا أحد يسأله عن الوقت، أتدرون لماذا؟ لأن الجميع لا يحترم الوقت. ثم بعد كل هذا، يأتي من يتشدق بالمثل العربي، "الوقت كالسيف...".