بعد استفادتهما من مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب في إطار مخطط الإنقاذ المالي خلال الأشهر القليلة الماضية، عادت شركتا "جنرال موتورز" و"كرايسلر" إلى واشنطن يوم الثلاثاء الماضي للاستجداء مرة أخرى. غير أنه علاوة على طلب مزيد من المليارات من أموال مخطط الإنقاذ المالي، قدمت شركات صناعة السيارات لوزارة الخزانة مخططات حول الكيفية التي تعتزم أن تسدد بها ما أخذته من أموال دافعي الضرائب – في النهاية – وحول طرق استعادة عافيتها. بيد أنه إذا كانت الجرأة شيئاً محموداً ومطلوباً، فإن المخططات تفتقر إلى الابتكار، لأنها تدعو إلى تسريح مزيد من العمال، وتخفيض الرواتب والمزايا، وتقليص عدد الموديلات التي تصنع. وعلاوة على ذلك كله، فقد كانت لشركة "جنرال موتورز" الجرأة لتحجيم مشروعها المتعلق بالاقتصاد في استعمال الوقود بـ10 في المئة مقارنة، بما كانت قد وعدت به في مخطط الصمود في وجه الأزمة المالية العالمية الذي قدمته للكونجرس في ديسمبر الماضي. وبالتالي، فما لا يفهمه قطاع صناعة السيارات هو التالي: ما هو جيد لأميركا جيد لجنرال موتورز (وكرايسلر)، وليس العكس، لأنه الآن وقد استفادت "جنرال موتورز" و"كرايسلر" من مليارات الدولارات في وقت مازالت فيه مليارات أخرى في الطريق، فإن الشركتين باتتا تعملان لدينا الآن، وعليهما أن تشرعا في التفكير في سبل خدمة البلد. إن الأميركيين في حاجة إلى سيارات تقطع مقابل جالون الجازولين مسافات أطول، وينجم عن تشغيلها تُلوث أقل، سيارات تحافظ على المال لدى التوقف في محطة الوقود. وعليه، فما ينبغي على شركات صناعة السيارات أن تفعله هو أن تشرع أولاً في إجراء تغييرين بخصوص الطريقة التي تشتغل بها: التوقف عن تضييع الوقت والمال في رفض ومقاومة القوانين التي تروم الحد من التلوث الذي يتسبب في ارتفاع حرارة الأرض، ثم التوقف عن الادعاء بأن صناعة ما يسمى بـ"السيارات الخضراء" التي تشتغل بالإيثانول من نوع E85، وهو مزيج يتكون من 15 في المئة من الجازولين و85 في المئة من الإيثانول. إن قانون "السيارات النظيفة" المعتمد في كاليفورنيا – الذي صاغته عضو المجلس التشريعي في الولاية "فران بافلي"، والذي مُرر في 2002 وتم تبنيه لاحقاً في ولايات أخرى– هو من نوع القوانين التي يحتاجها البلد للدفع بالابتكار إلى الأمام وحماية الكوكب لأنه ينص على تقليص التلوث الناتج عن السيارات -والذي يتسبب في ارتفاع حرارة الأرض - بنسبة 30 في المئة بحلول 2015. ولكن شركات صناعة السيارات ردت على هذا القانون بهجوم شرس؛ ونجحت في الضغط على إدارة جورج بوش حتى لا تمنح "وكالة حماية البيئة" الفيدرالية تنازلًا ضرورياً للولايات من أجل تبني القانون؛ كما رفعت دعاوى في المحاكم في ولايات كاليفورنيا وفيرمونت ورود آيلاند سعياً لإبطاله. أما الممارسة الأخرى عديمة الفائدة التي قامت بها "جنرال موتورز" و"كرايسلر"، فتتعلق بثغرة في قوانين كفاءة استهلاك الوقود. فـ"جنرال موتورز" و"كرايسلر" تصنعان ملايين المركبات التي تعمل بالإيثانول من نوع E85. ولأن الإيثانول يُستخرج عموما من الذرة، فإن السيارات التي تنتجها يتم الترويج لها على أنها تستهلك كميات أقل بكثير من الوقود الأحفوري. ومكافأةً لها على صناعة هذه المركبات، تحصد شركات صناعة السيارات "أرصدة التلويث" التي تسمح لها بصناعة عدد أكبر من المركبات النافثة للغازات الملوثة مما تسمح به القوانين البيئية عادة. فالمشكلة تكمن في أن السيارات والشاحنات قلما تستعمل الإيثانول من نوع E85 لأنها تستطيع الاشتغال أيضا بالجازولين العادي. وعلاوة على ذلك، فإنه من الصعب إيجاد خليط الإيثانول لأنه من أصل الـ176000 محطة وقود المنتشرة عبر أرجاء الولايات المتحدة، فإن أقل من 1 في المئة منها فقط تبيع E85. والحقيقة أن معظم المركبات التي تستطيع العمل بالإيثانول ينتهي بها المطاف إلى استهلاك الجازولين فقط. ومع ذلك، فإن "جنرال موتورز" و"كرايسلر" وغيرهما من الشركات تستعمل "الأرصدة" التي تحصل عليها لصناعتها تلك المركبات وتتجنب، بالتالي، الاضطرار إلى صنع مركبات أكثر كفاءة من حيث استهلاك الطاقة. وعلاوة على ذلك، تتباهى شركات صناعة السيارات بأنها حسنت كفاءة استهلاك الطاقة، والحال أن معظم هذه التحسينات تذهب إلى صناعة سيارات أكبر وأسرع بدلًا من سيارات أقل تلويثاً وتشغيلها أرخص. وفي هذا السياق جاء في دراسة حديثة قُدمت لـ"جمعية مهندسي السيارات" أنه "لو أن كل التحسينات المتعلقة بالكفاءة في استعمال الطاقة التي تم تطويرها منذ 1988 تركزت على الحصول على أميال إضافية مقابل الجالون الواحد من الجازولين، فإن السيارات ستصل اليوم إلى متوسط 45 ميلاً للجالون الواحد، بدلا من 30.3 ميل للجالون. وتأسيساً على ما تقدم، يتعين على الكونجرس أن يشدد على أنه حتى تستفيد شركات صناعة السيارات من أي مساعدات جديدة في إطار الإنقاذ المالي، على هذه الشركات أن ترفع متوسط الاقتصاد في استعمال الوقود إلى 42 ميلًا للجالون بحلول 2020، بدلاً من معيار 35 ميلا للجالون الواحد، المحدد اليوم كحد أدنى بحلول ذاك العام؛ فاستمرار ديترويت يتوقف على تغير في الذهنية. دان بيكر مدير حملة "المناخ الآمن" جيمس جيرستنزانج صحفي أميركي متخصص في قضايا الطاقة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"