التحرك الإيراني الرسمي لاحتواء الخطأ والإساءة في حق البحرين جاء متأخراً جداً، فيوم الاثنين الماضي وصل وزير داخلية إيران إلى المنامة لنقل رسالة الرئيس الإيراني إلى ملك البحرين لتأكيد عمق العلاقة الأخوية بين البلدين وعدم السماح لأحد بالمساس بهذه العلاقة... وكان وزير خارجية البحرين قد تلقى رسالة شفوية من متكي نقلها السفير الإيراني تتضمن التزام إيران بسيادة واستقلال البحرين وفي نفس اليوم قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية: "العلاقات مع البحرين يحكمها حسن الجوار والاتفاقيات ذات القيمة للبلدين". إنها ردود متأخرة جداً جاءت بعد أسبوع من ادعاءات آية الله ناطق نوري بأن البحرين هي المحافظة الإيرانية الـ14... فهل كانت طهران بحاجة إلى كل هذا الوقت لإصلاح الخطأ وهي التي تدعي التنصل منه؟! بعد المواقف الأخيرة لإيران أي دور إقليمي تريد أن تلعبه طهران وهي التي تحتل ثلاث جزر إماراتية عربية... وهي التي تدعي بأن البحرين هي محافظتها الرابعة عشرة... وهي التي تهدد دائماً بإغلاق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة، وهي التي عبثت وما تزال بالعراق واستقراره، وهي التي أثارت الفتنة الطائفية في لبنان، وهي التي أثارت الانقسام بين الفصائل الفلسطينية وغذتها، وهي التي تهاجم دول الخليج وأنظمة حكمه باستمرار..؟ هل من يريد أن يكون له دور إقليمي رئيسي يقوم بمثل هذه الأخطاء الاستراتيجية وهذه التصرفات المستفزة مع جيرانه ومع دول العالم؟! ردة فعل إيران الرسمية الأولى على الغضب البحريني والعربي على تصريحات ناطق نوري كانت مخيبة لآمال الجميع... لكنها كانت كسابقاتها فهي لم تعتذر عن ادعائه بأن البحرين جزء من إيران بل اعتبرت أن المسألة نوع من حرية التعبير عن الرأي... ثم قالت إن هذه التصريحات ليست رسمية ولا تعبر إلا عن رأي قائلها... ثم قالت بأن المسألة تم تضخيمها إعلامياً ولا تستحق كل تلك الضجة... الموقف الرسمي تعامل مع الإساءة باستهتار ولا مبالاة وكأنها لم تمس أمن دولة لها سيادتها ولها كيان سياسي وقانوني وجغرافي مستقل... لكن استهتار النظام الإيراني ليس بالجديد وتقزيمه للمشكلات التي يفتعلها ليس بالغريب فهو ما يزال عندما يتكلم عن احتلال جزر الإمارات الثلاث يقول إنه "سوء تفاهم". هل قرأ أحد مقالا هجومياً أو مشيناً في الصحف ووسائل الإعلام العربية ضد إيران أو الشعب الإيراني أو شاهد رسماً كاريكاتوريا عن زعيم إيراني أو آية من آياتهم؟ بالطبع لا... لكن وفي المقابل من تابع الصحف الإيرانية وخصوصاً الأسابيع القليلة الماضية وقرأ المقالات وشاهد رسوم الكاريكاتير، سيرى حجم الإساءة الموجهة للدول العربية وللحكام العرب وكم الحقد ضد الشعوب العربية وهذا أمر غريب على "دولة إسلامية" تحكمها الشريعة والعقيدة. وما أشار إليه وزير الداخلية البحريني منذ أيام في حواره في جريدة "الشرق الأوسط" حول ما فعلته قناة "العالم" التابعة للنظام الإيراني من استطلاع حول قضايا بحرينية داخلية، كالتجنيس، يعتبر تدخلا في شؤون البحرين الداخلية ولا يحق لهذه القناة أخلاقياً أن تتدخل في هذه القضايا التي تثير الفتن والتي لا تخصها أصلا. لا أعتقد أن إيران تود أن يتدخل الإعلام العربي في قضاياها الداخلية وإيران أرض خصبة للقضايا الخلافية والاختلافات بكل أنواعها، وعليها أن تدرك أنه ليس من الحكمة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. ومنذ يومين جاء على موقع "عصر إيران" أنه "على العرب التخلي عن مزاعمهم بشأن الجزر كي لا يسمعوا مطالب متبادلة بشأن البحرين". وفي الرابع من شهر فبراير الجاري كتب رئيس تحرير الموقع مقالا قال فيه إنه بافتراض وقوع حرب بين إيران وإحدى دول الخليج العربية "فلن تكون هناك حاجة لإهدار قنبلة ذرية بل تكفي صواريخ عادية وزوارق صغيرة لجعل جيشها يستسلم"، فهل هذا الكلام مسؤول ويصدر من دولة مسلمة وتدعي حسن الجوار وتدعو إلى فتح صفحة جديدة؟! وفي حوار على نفس الموقع الإلكتروني منذ شهر تقريباً هاجم نائب برلماني الإمارات وزعم أن "جميع أراضيها كانت محمية تابعة لإيران"! وفي بداية فبراير الجاري ادعى النائب الإيراني داريوش قنبري أن "الشعب البحريني لو استفتي فسيختار أن يكون جزءاً من إيران"! وفي الشهر الماضي قال عضو برلمان إيراني أثناء جلسة البرلمان إن "البحرين كانت طوال تاريخها جزءاً من إيران"!.. هل الحكومة الإيرانية عاجزة عن وضع حد لمثل تلك التصريحات التي تسيء لعلاقة إيران ليس بدول الخليج بل بكل الدول العربية؟ ألا تستطيع أن تسكت تلك الأصوات العدائية، لو كانت صادقة فيما تدعيه من حرصها على الحفاظ على العلاقات الطيبة وحسن الجوار؟ بلا شك أنها تستطيع خصوصاً أن أغلب تلك التصريحات تصدر من مسؤولين حكوميين أو مستشارين كبار أو مسؤولين سابقين وكلهم أبناء الثورة وأتباع النظام ولو أراد النظام وضع حد لتلك التصريحات لفعل لكن يبدو أن المسألة مقصودة... وعلى سبيل المثال فإن آية الله ناطق نوري الذي تقول طهران إنه ليس مسؤولا رسمياً هو ممثل المرشد الأعلى والرئيس السابق للبرلمان وهو مرشح محتمل للانتخابات المقبلة، كما أنه كان منافساً لخاتمي في انتخابات عام 1997، فهل يريد النظام الإيراني أن نصدق أن هذه تصريحات شخصية وليست رسمية؟ دول الخليج العربي منحت إيران الفرصة تلو الأخرى ومن منطلق حسن الجوار تسامحت وغضت الطرف كثيراً، إلا أن البعض في طهران يتمادون كثيراً ويذهبون بعيداً بادعاءاتهم الاستعمارية وأحلامهم التوسعية وكل ذلك على حساب جيرانهم العرب الذين يمدون إليهم يد السلام والتعاون ويريدون التكامل مع بعضهم البعض كجيران لا يمكن لطرف أن يلغي الآخر. لكن ما يأتي من طهران عكس ذلك فمنذ اليوم الأول لتولي رجال الثورة الحكم في طهران وهذه المنطقة في دوامة الحروب والتهديدات التي لا تنتهي. وكثيراً ما يتساءل المرء كيف كان حال المنطقة سيكون بدون وجود هذا النظام الذي اتعب شعبه وجيرانه؟! أما أبناء الثورة الإيرانية فمن الواضح أنهم واقعون اليوم بين نشوة الشعور بالقوة لاعتقادهم بامتلاك الأسلحة النووية وغير النووية التي يرهبون بها أعداءهم وأصدقاءهم وبين الصراعات الداخلية والتنافس الناشئ بينهم وصراعهم على الكرسي... وبالتالي فإنهم يذهبون بعيداً باعتقادهم أن امتلاك القوة يعني عدم الاكتراث بالآخرين... ولا يترددون من أجل المنافسة السياسية الداخلية في التضحية بأي شيء داخلي وخارجي. واضح أن بدايات امتلاك القوة النووية الإيرانية هو تهديدات دول الجوار واستحضار الأحلام التوسعية والاستعمارية وهذا ما كان يخشاه العالم إذا ما امتلكت إيران قوة نووية بأن تستخدمها لإشاعة الرعب وزعزعة الاستقرار في المنطقة والعالم. أما إذا امتلكت طهران هذه القوة النووية وتمكنت منها فلا نستبعد أن يأتي أولئك الحالمون ليتذكروا أن حدود الدولة الفارسية وصلت قبل بضعة عشر قرناً إلى حدود اليونان ويقولون إن كل تلك الدول محافظات إيرانية! المطلوب من إيران أن تعتذر بشكل صريح عن هذه الإساءات وأن تتعهد بأن لا تتكرر مثل هذه الأخطاء في حق البحرين التي صمتت طويلا عن التجاوزات الإيرانية وأن لا تتدخل في شؤونها الداخلية... أما فيما يتعلق بالجزر الإماراتية المحتلة الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى فمن المهم أن تستجيب طهران لنداءات دولة الإمارات وباقي دول العرب والعالم لإنهاء هذا الاحتلال أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لتقول كلمتها وتنتهي هذه المشكلة إلى الأبد. هذا إذا ما كانت صادقة في ادعاءاتها بحسن الجوار... أما بالنسبة للقضايا العربية فعليها أيضاً أن لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية وتثير الفتن فيها.