نحن أمام ثورة معرفية وحاجة ملحة للإصلاح الديني، كما حصل في أوروبا قبل الدخول إلى عصر النهضة، وهي حلقة أساسية في نمو شجرة الحضارة، شرحها توينبي عن بريطانيا بشكل بديع. ولا يكفي فقط تغيير المفاهيم، ورسول الرحمة صلى الله عليه وسلم استخدم لغة قريش، لأنه ليس من مجال لاستخدام اللغة النبطية أو الديموطيقية بين أهل زمانه ومكانه، وهي مسألة أشار إليها القرآن في قوله تعالى: "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين"، ومن هنا ندرك كم الموضوع شاق وحساس. وفيما يتعلق بأحاديث الآحاد التي تفرز من حين لآخر إشكالات عقلية، فحله أبسط، ونحن نعلم أنه وبكلمة واحدة فقد اتفقت عليها كليات الشريعة في العالم الإسلامي، أن الحديث في معظمه هو خبر آحاد، وهذا لا يفيد اليقين بل غلبة الظن، لكنه يوجب العمل، هذا في قسمه الصحيح. كذلك علينا استيعاب حقيقة أشار لها الفيلسوف محمد إقبال، أن معظم تراثنا -باستثناء القرآن الكريم- كتب في ظروف طبعها الصراع السياسي، وأن كثيراً من الأحاديث مثل حديث قتل المرتد، هي صناعة أموية سعت لاستئصال المعارضة العقلية وتصفية المادة الرمادية في المجتمع، فعلينا أن لا نضطرب ولا تهتز الأرض تحت أقدامنا. وإلا هل يعقل أن القرآن يؤكد على حرية المعتقد، ويأتي فقهاؤنا فيقولون إذا خرجت من الإسلام مسموح لك الخروج، ولكن بدون رأس؟! أليس هذا التفكير في غاية الخطر؟ ومشكلة الأحاديث انتبه لها علماء الإسلام على نحو مبكر؛ فتم إطلاق علم كامل هو "علم الجرح والتعديل"، وهو من مفاخر تاريخنا، حيث تمت غربلة الأحاديث وجرى استبعاد الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وبكل أسف فقد نما علم الرواية أكثر من الدراية، أي تمحيص طريقة النقل، أكثر من طبيعة النص بذاتها، وسره هو توقف العالم الإسلامي عند المدرسة النقلية، وهي سبب لتوقف حركة العقل النشيطة ولجمود الفكر، وبالتالي فقد تم الاحتفاظ بأحاديث "صحيح نقلها"، لكن يعسر فهمها. وقصة ضلع المرأة أيضاً من هذه الثقافة، لذا وجب عرض الحديث على القرآن، الدستور الأساسي الأصلي، الذي لم تلعب فيه يد؛ بل هو محفوظ بتعهد إلهي، فما اختلف مع القرآن سقط، وما استقام معه كان من معدن الرسالة ومشكاة النبوة. وفي هذا يحضرني مثال ممتاز عن القرآن والحديث (خبر الآحاد)، مثل المحاضر في الجامعة يلقي درسه، ثم يخرج بعد المحاضرة فيسأله أحد الطلبة سؤالا توضيحياً فرعياً فيجيبه، فهذا هو الفرق بين النص الأساسي والفرعي، أو القرآن الدستور الكبير والحديث الموضح. فلا تترك المحاضرة وأصولها والنص الأساسي، لصالح سؤال من طالب في لقاء جانبي. فهذه هي مشكلة القرآن وخبر الآحاد. إنه موضوع حساس ولكن لابد من طرقه، وآية يقظة الأمة مناقشة الموضوع بهدوء.