شهد الأسبوعان الأخيران بالعراق ومن حوله عدة مستجداتٍ، يمكن الحديث عن مشابهاتٍ لها في فلسطين. في العراق دعت عدة أطرافٍ لتدخل عربيٍ أو دورٍ للعرب في حلّ الأزمة الناشبة عن طريق إرسال قواتٍ عربية تساعدُ في تهدئة الموقف هناك بعد التردّي الحاصل في الأمن، وتصاعد المقاومة للاحتلال. وقد اقترن ذلك مع قرارٍ للحاكم الأميركي بول بريمر بالسماح بعودة البعثيين للمناصب الإدارية والعلمية، وكبار ضباط الجيش للإعانة في تشكيل الجيش العراقي الجديد. ومن جهةٍ ثانيةٍ تجمد الموقف في فلسطين بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي، وحصول شارون على دعم الرئيس بوش في "مبادرته" للانسحاب المنفرد من غزة، وبعض المواقع في الضفة الغربية. لكنّ شارون لا يستطيع الانسحاب من غزة دونما سلبياتٍٍ وأضرار إلاّ بتعاوُن مصر، وتعاوُن السلطة الفلسطينية. وكيف يمكن لمصر أن تتعاون مع الشروط الشارونية، وكيف يمكن للسلطة أن تتعاون مع تهديدات شارون بقتل رئيس السلطة ياسر عرفات؟!
وخلاصة الأمر أنّ الأطراف الدولية (الأوروبية والأميركية) تتحدث عن الغياب العربي، وعن مضارّ ذاك الغياب أو التغييب، في الوقت الذي لم تنضج فيه بعد سياقات وشروط وإمكانات الحضور العربي والدور العربي والتأثير العربي. فقد اقتصر "دور" العرب في العراق طوال الشهور الماضية، على تهديد الأميركيين لسوريا إنْ لم تضبط حدودَها، والغمز من قناة السعودية باعتبار أنّ "السلفيين" السعوديين وغيرهم هم الذين يقودون المقاومة في العراق.
ثم حدث تمرد السيد مقتدى الصدر، وتصاعد القتال في الفلوجة، وازدادت الشائعات حول التدخل الإيراني، والانكفاء التركي. ومع تصاعُد الخسائر الأميركية، وازدياد الضغوط على إدارة الرئيس بوش في الداخل الأميركي بسبب لجنة التحقيق، والكشوف عن الخطط المبكرة للهجوم على العراق ربما قبل 11 سبتمبر 2001، بدأ الأميركيون يعيدون النظر في الترتيبات التي يكون عليهم القيام بها قبل 30 يونيو 2004 واستعداداً له. فقد انتهى الإجماع الشيعي على عدم مقاومتهم، وما استطاعوا إخماد المقاومة السنية. ومن هنا يأتي التفكير في الاستعانة بالأُمم المتحدة، وبالعرب، للتهدئة الداخلية، ولموازنة النفوذ الإيراني المتزايد. وللعرب مصلحةٌ طبعاً من وراء التدخل في العراق، مختلفة عن مصلحة الأميركيين. فهم مهتمون بالاستقرار في العراق، وبوحدة التراب العراقي، وعودة الدولة العراقية للعمل لما فيه مصلحةُ العراقيين والعرب. لذلك فالجديد في الموقف أنَّ الأطراف التي كانت تتهم العرب ترى الآن لهم دوراً إيجابياً، يمكن طبعاً التفاوُض حول شروطه ومظلته. فالعرب لا يستطيعون الدخول تحت المظلة الأميركية، كما أنهم لا يستطيعون ذلك باعتبارهم فريقاً، رغم حديث بعض الأطراف العراقية المتضررة من إمكان التدخل العربي، عن معارضة العرب لحكومةٍ شيعيةٍ في العراق، تدعمها إيران!
ويطالب الأميركيون والأوروبيون العرب وبالذات مصر والأردن والسلطة الفلسطينية وربما السعودية، بالتدخل للمساعدة في تنظيم انسحاب الإسرائيليين من غزة وبعض الضفة الغربية. والمشكلة في الأمر هنا أنّ شارون لا يمكن العمل معه على أي مسار. فضلاً عن أنّ الأمر استغرق أكثر من سنتين حتى جرى الاتفاق على خريطة الطريق، وينقض ذلك الآن الإسرائيليون والأميركيون من طرف واحد. والمعروض من جانب إسرائيل مجهول الجوانب والعواقب، ويمكن أن يشكّل إجهاضاً لمشروع الدولة الفلسطينية، مع استمـرار شارون في أعمال التخريب والقتل.
على أنّ المطالب الدولية على العرب لا تقتصر على العراق وفلسطين. فهناك المشروعات الجيواستراتيجية التي تطرحُها أميركا وأوروبا لمنطقتنا، والتي سيُناقَشُ بعضُها في الولايات المتحدة في يونيو المقبل، أي بعد شهرين من الآن، تمهيداً لتدارُسها بالتفصيل مع دول المنطقة ما بين أفغانستان وطنجة! والخططُ التي ظهرت حتى الآن تشير إلى جدية تلك المشروعات، وفي الوقت نفسه، ضرورة التعاوُن العربي والإسلامي بشأنها. هل كل هذه الأمور فُرَص جديدة للعرب؟ أم أنها تحدياتٌ تتراكم على التحديات السابقة والتي وقف العرب جامعةً ودولاً عاجزين أمامها؟
بادئ ذي بدء هنـاك التزامٌ عربيٌ بوحدة العراق واستقلاله، وإذا كان الدخول العسكري والسياسي العربي يعينُ فـي تحقيق هذين الهدفين، فلا أرى مانعاً في ذلك؛ بل إنه أمرٌ يستحق التشجيع. فهناك كما نعلمُ كلامٌ كثيرٌ عن الورطة الأميركية في العراق، وأنه لا ينبغي مد يد المساعدة إليهم بأي شكل، إن لم تكن مقاومتهم ممكنةً من جهة دول الجوار! لكنْ ماذا لو خرج الأميركيون أو "هربوا" من العراق؟ الأخضر الإبراهيمي العربي القح، وممثل الأمين العامّ للأمم المتحدة ليس طفلاً، وهو ما يزال يقول إنّ الموقف في العراق خطير، وهو يخشى الحربَ الأهليةَ في العراق. وهكذا فلنا مصلحةٌ بالتدخل في العراق إن أمكن أن يحدُثَ ذلك بالشروط والسياقات التي تخدم الهدفين سالفي الذكر: وحدة أرض العراق، واستقرار ووحدة شعبه.
أما في فلسطين، فقد عجز