تزدحم رفوف مكتبات العالم الآن بعشرات المؤلفات عن أحوال العرب والمسلمين الحالية· وليس من الضروري أن نذكر أسماء الكتب ومؤلفيها ولا أسماء البلدان وشخصياتها· فقد تعددت البلدان ومسؤولوها والظاهرة واحدة، وهي ظاهرة الرفاهية المجنونة في أصولها وتجلياتها وتوجُّهاتها· دعنا نبرز بعضاً منها معتمدين على ما ذكرته بعض تلك المؤلفات:
1- في التَّرف الشخصي: بنى أحدهم قصرا كلَّفه حوالى خمسة مليارات من الدولارات وخسر أحدهم في لعبة قمار أثناء ليلة واحدة ستة ملايين من الدولارات· تكلِّف خدمة وصيانة كل يخت يملكه ثري عربي مليون دولار سنوياً· يملك أحدهم اكثر من عشرين قصراً فاخراً في البلد الذي يملكه ·
2- في الفساد الذي يتطلبه ذلك الترف: دفعت شركة تلفونات عالمية لمسؤول رشوة مقدارها تسعمائة مليون دولار· قدَّر سفير أن بلاده أضاعت بسبب الفساد أكثر من خمسين مليار دولار من أصل أربعمائة مليار صرفتها الحكومة في عملية التحديث· في صفقة سلاح كبيرة كلَّفت المليارات قدِّرت نسبة ما دفع منها للرشاوى لمختلف المتنفِّذين والوسطاء بخمسة و أربعين في المئة·
3- في الدخل الذي لا يقابله جهد: تدفع عائلة لكبار أفرادها مبلغ ثلاثمائة ألف دولار راتباً شهرياً للفرد ولصغار أفرادها عشرين ألف دولار شهرياً للفرد· عندما أعلن إفلاس شركات أحد المسؤولين في بلد إسلامي غني وخسر صاحبها المليارات تمَّت ترضيته بتخصيص مبلغ ثلاثمائة ألف دولار كراتب شهري·
4- في شراء الآخرين والبخل على الأقربين: تنهمر تبرعات بعض المسؤولين لمؤسسات أجنبية من أجل شراء الذمم· أحدهم تبرَّع بثلاثة وعشرين مليون دولار لمركز دراسات في جامعة أميركية تخرَّج منها أحد الرؤساء· كل محاضرة يلقيها مسؤول أميركي سابق لمدة نصف ساعة تكلِّف أحدهم مبلغاً يتراوح ما بين مئة ومائتي ألف دولار تدفع كمكافأة هي في حقيقتها رشوة· دفع مبلغ مليون دولار كتبرع لكل من مشروعات مكتبة ومكافحة الأمية و مكافحة المخدرات في أميركا! كل هذه التبرعات تنهمر في حين تموت مراكز دراسات وتتوقف مشروعات مكافحة الأمية وتفشل عشرات المشروعات الثقافية في بلاد العرب بسبب قلَّة الدعم من قبل أثريائها·
إذن، ظاهرة الرفاهية في بلاد العرب والمسلمين لها خصوصية: أصولها تمتدُّ في وحل الفساد والرَّشاوى وسرقة المال العام، تجلِّياتها تظهر في قصور ويخوت لا حصر لها ولا عدَّ وعلى موائد القمار وفي أسواق اللَّحم الآدميِّ، وتوجُّهاتها تهدف إلى شراء ذمم المتنفِّذين والمسؤولين في بلاد القوة والجاه الأجنبيَّة·
مطلوب من المواطن العربي أن لا ينظر إلى ما ذكرنا كحقائق مجرَّدة· مطلوب أن يغمسها في مرقة آلامه اليومية و أحزانه· فعندما يعيش عشرة من أطفاله في غرفة يكون لدى أحدهم قصور مغلقة، وعندما لا تحصل ابنته على مقعد دراسي في جامعة بلاده يكون أحدهم قد تبرّع بملايين الدولارات لجامعة أجنبيَّة، وعندما تهدم إسرائيل بيته يكون أحدهم قد أخذ رشوة من عشرة مليارات في صفقة شراء لسلاح لن يستعمل·
الرفاهية التي ليست نتاج اقتصاد منتج أو جهد فرد مكافح وليست تحت مراقبة القانون والناس لا يمكن إلا أن تقود إلى عبث شيطاني وفكر مريض.