من المنتظر أن تنطلق، مهمة فضائية مثيرة للجدل، ستحاول إجراء أدق اختبار تم إجراؤه حتى الآن لنظرية أينشتاين عن النسبية والفضاء.
وستحاول المركبة التي ستقوم بتنفيذ تلك المهمة الفضائية، والتي لا يزيد حجمها على حجم سيارة صغيرة لتوصيل البضائع، إجراء تجارب على فرضيتين أساسيتين من فرضيات نظرية أينشتاين الشهيرة عن النسبية العامة للتأكد من صحتهما فيما يتعلق بالفضاء. أولا، سوف تقوم تلك المركبة بقياس الكيفية التي تتمكن من خلالها كتلة صلبة مثل كوكب الأرض من اجتذاب الأشياء الموجود في الفضاء المحيط بها. ثانيا، ستقوم تلك المركبة، وللمرة الأولى، بإجراء اختبار للتأكد مما إذا كان دوران الأرض حول نفسها يؤدي إلى قيامها باجتذاب نسيج الفضاء القريب منها، تماما مثلما يقوم خذروف (دوامة) يدور بسرعة كبيرة على سطح قطعة قماش صغيرة، باجتذاب القماش وجعله يلتف من حوله، في حركة تشبه حركة عجلة تدور حول نفسها بسرعة فائقة.
وهذه الرحلة الفضائية التي ستكلف 700 مليون دولار، هي واحدة من تلك الرحلات التي يتزايد عددها باستمرار، والتي ترمي إلى إجراء تجارب تهدف إلى كشف النقاب عن أسرار الجاذبية، التي تعتبر على رغم كونها واحدة من أهم القوى الطبيعية، أقل تلك القوى بوحا بأسرارها، وهي بالتالي من الظواهر التي لا يعرف عنها العلماء الكثير. والرحلة المقرر إجراؤها في السابع عشر من شهر إبريل الجاري، هي أيضا واحدة من أكثر الرحلات العلمية التي تقوم بها وكالة ناسا الفضائية تعقيدا من الناحية التقنية.. بل وربما تكون الأعقد على الإطلاق كما يقول بعض العلماء. والشيء الذي قد يثير دهشة القارئ أن مشروع هذه الرحلة، يعد من أقدم المشروعات لدى وكالة ناسا، حيث بدأ العمل فيه منذ عقود.
وإذا ما قام مسبار الجاذبية الذي يطلق عليه (المسبار: ب) بتحقيق النتائج المتوخاة منه، فمن الممكن له في تلك الحالة أن يساعد على تحقيق فهم أكثر عمقا لظاهرة الثقوب السوداء الموجودة في الفضاء، ولطائفة هائلة من الأجسام والمواد التي تنطلق من مراكز المجرَّات النشطة الصغيرة، وتندفع في أعماق الفضاء وترتطم بغيرها من الأجرام السماوية. وإذا ما قامت سفينة الفضاء بإنجاز مهمتها على النحو المأمول، وتحقيق ما هو متوقع منها، فإن تلك النتائج يمكن أن تفتح أمامنا عالما كاملا من الحقائق الفيزيقية الجديدة التي تتجاوز القوى والجزيئات، والتفاعلات المعروفة حتى اليوم.
للوهلة الأولى، قد يبدو ذلك وكأنه صفقة مقبولة، خصوصا إذا ما أخذنا في اعتبارنا النتائج التي توصلت إليها التجارب السابقة، التي تم إجراؤها بغرض التأكد من صحة نظرية أينشتاين عن النسبية العامة، وذلك كما يرى فرانسيس إيفرت أستاذ الفيزياء بجامعة ستانفورد، والذي يشغل منصب كبير مفتشي المسبار (ب) الذي سبقت الإشارة إليه.
ويقول (إيفرت): على رغم ذلك فإننا لن نكون على معرفة بكافة الأشياء المتعلقة بالجاذبية... والسبب هو أن الجاذبية العامة، تعتبر من ضمن التخصصات التي لم يتم إجراء تجارب كافية عليها، إذا ما قارناها بنظرية النسبية الخاصة، التي تحتوي على مفاهيم تعتبر من الثوابت المعروفة مثل المفهوم الخاص بسرعة الضوء.
والرسم التصميمي للمركبة الفضائية التي ستقوم بتلك المهمة بسيط إلى درجة يمكن أن تخدع الكثيرين. فهذا الرسم يبين أن المركبة سوف تضم أربع جيروسكوبات الغرض منها قياس تأثير الأرض على الزمن الفضائي. فعندما يحدث نوع من الجذب والسحب، فإن المحاور الدوارة، الموجودة في الجيروسكوبات تقوم بالانحراف بمضي الوقت، والميل نحو اتجاهات محددة، تماما كما تقوم المركبة الفضائية التي تدور في مدار حول الأرض بتوجيه نفسها باستمرار نحو نجم من النجوم البعيدة.
وقد تم اقتراح استخدام الجيروسكوبات لاختبار الجاذبية العامة للمرة الأولى في ثلاثينيات القرن الماضي، وذلك من قبل السير أرثر إبدينجتون العالم الفيزيائي البريطاني، بيد أن التقنية التي كانت متوافرة في ذلك الوقت، لم تكن لتسمح بتحقيق ذلك. ولجعل هذا المشروع عمليا من حيث جدواه الاقتصادية، اضطر الفريق إلى بناء جيروسكوبات تعتبر من أكثر الجيروسكوبات الموجودة في العالم من حيث الدقة.
وفي نقطة المركز من كل جيروسكوب، ثمة جسم كروي دوار له فيوزات مصنوعة من أحجار الكوارتز، لا يزيد حجمه على حجم كرة البنج بونج. وهذا الجسم الكروي مغطي بطبقة من مادة النيوبيام niobium، وله سطح أملس شديد النعومة .
ونظرا إلى عدم وجود طريقة يمكن بها اكتشاف اتجاه الجيروسكوبات نظريا، فإن الباحثين سوف يقومون، بقياس اتجاه الحقول المغناطيسية التي تقوم تلك الجيروسكوبات بتوليدها، أثناء دورانها حول نفسها بسرعة فائقة. ولتحقيق ذلك فإن الباحثين يقومون باستخدام 645 جالون من مادة الهليوم السائل، التي تقوم بتبريد الأجسام الكروية إلى أربعمائة وخمس وخمسين درجة فهرنهايت تحت الصفر، ليقوم العلماء بعد ذلك بتحويل أغلفتها المصنوعة من مادة النيوبيام إلى موصلات فائقة. وهذه التجربة سوف تتم داخل ما تطلق علي