يمتلك الفيروس المسبب لإنفلونزا الخنازير قدرة كبيرة على التأقلم وتغيير شكله، وهو ما يجعله عدواً ماكراً للإنسان سلاحه الأساسي التغير الدائم والمستمر، لكن الفيروس يستفيد أيضاً من البطء المصاحب لعملية التصدي له بسبب الإكراهات التكنولوجية التي تؤخر ظهور لقاح فعال في الوقت المناسب. فالعلماء عادة ما يتعين عليهم تحديد المكونات التي تدخل في صناعة اللقاح المناسب قبل ستة أشهر من ظهوره، وهو وقت أكثر من كاف لكي يتغير الفيروس بطرق لا يستطيع المصل الذي حددت مكوناته التعامل معه، يضاف إلى ذلك التحديات المرتبطة بالتكنولوجيا والتكاليف التي تحد من قدرة مسؤولي الصحة العامة على تغيير اللقاح كل سنة، حتى وهم يعرفون أن الموسم المقبل من الإنفلونزا سيأتي بأنواع جديدة من الفيروسات. وبعبارة أخرى يصبح تفادي اندلاع وباء عالمي للإنفلونزا بمثابة تغيير اتجاه سفينة بعدما أُخبر قطبانها أنها ستصطدم بجبل جليد عائم بعد ستة أشهر، لذا جاء الاندلاع الأخير لإنفلونزا الخنازير ليعيد كل هذه التحديات إلى الواجهة وليترك مسؤولي الصحة العامة عاجزين عن تحديد ما إذا كان عليهم تغيير مكونات المصل الذي استخدم العام الماضي للتصدي للنوع الجديد من الفيروسات المسبب لإنفلونزا الخنازير. وقد تم تحديد الصيغة الجديدة للقاح قبل شهر، أي على بعد ستة أشهر من موسم الإنفلونزا القادم في شهر سبتمبر المقبل، لكن إذا تبين أن إنفلونزا الخنازير الحالية ليست أكثر من زوبعة في فنجان، فإنه سيكون من غير الحكيم تغيير المصل، أما في حالة العكس، أي إذا تحول الفيروس إلى وباء، فإن ترك المصل دون تعديل قد يؤدي إلى نتائج وخيمة. المشكلة أن الأمر قد يستغرق أسابيع عديدة قبل أن يتم التحقق من خطورة الإنفلونزا، بحيث مازال يتعين على المتخصصين في علم الأوبئة إجراء فحوصاتهم المفصلة حول عدد الأشخاص الذين أصيبوا بالمرض، وإلى أي مدى يعتبر الفيروس قاتلا. وكخطوة احترازية تعكف الحكومة الأميركية في هذه الآونة على تحضير لقاح موجه خصيصاً لإنفلونزا الخنازير، ما يعني أنه خلال موسم الخريف القادم ربما سيكون على الناس أن يتلقوا بالإضافة إلى جرعة اللقاح العادي المصل الخاص بإنفلونزا الخنازير، ومع ذلك تؤكد "آن تشوشات"، نائبة المدير للشؤون العلمية والصحية بمركز مراقبة الأوبئة والوقاية أن أي مصل جديد لن يكون جاهزاً قبل شهر سبتمبر القادم في أحسن الأحوال. وفيما تبقى الإنفلونزا مزعجة، بل وقاتلة أحياناً إلا أن الفيروس الذي يتسبب فيها يمثل نموذجاً مثالياً لأحد مبادئ نظرية التطور الداروينية، بحيث تحدد قوة جسم ما اعتماداً على المكان الذي يحتضنه، فما يعتبر تفوقاً في بيئة ما قد يصبح نقصاً في بيئة أخرى والعكس صحيح لأن ما يهم الانتخاب الطبيعي في النهاية ليست الصفات الذاتية بقدر ما يهم القدرة على الاستمرار وأداء الوظيفة. لذا فإن ميل الفيروس إلى التغير الدائم بسبب عجزه عن استنساخ نفسه بالطريقة المطلوبة تحول من نقيصة إلى عنصر تفوق، لا سيما في الحالات التي يفشل الجهاز المناعي داخل الجسم البشري في احتواء هذه التغيرات والقضاء عليها لتتحول مع مرور الوقت الأنواع الجديدة من الفيروس إلى فيروسات قاتلة. وفي هذا السياق يقول "بيتر باليس"، أحد المتخصصين في فيروسات الإنفلونزا بنيويورك "إن فيروس العام الماضي قد يتفادى الدواء الذي أعد اليوم بسبب تغيره، فنحن جميعاً أصبنا بالإنفلونزا ولدينا بعض الحصانة، لكن الفيروس تغير بصورة قد تمرض العديد منا". وبالنسبة للظهور الأخير للمرض فقد رُصدت ثلاثة أنوع من الفيروس: النوع القادم من الطيور، ونوع قادم من الإنسان، ثم النوع المتأتي من الخنازير، ما يعني أن جميع الأنواع اجتمعت في حيوان واحد في مكان ما من العالم. ويؤكد "أندور فيكوز"، الخبير في الإنفلونزا وعلم المناعة بجامعة جونز هوبكنز الأميركية أن العلماء وشركات الأدوية منكبون حالياً على استكشاف عناصر مشتركة في الفيروس المسبب للإنفلونزا، لأنه إذا تم التعرف على عنصر مشترك بين جميع الأنواع، فإنه يمكن التوصل إلى لقاح يضمن الحماية الدائمة. وبالإضافة إلى ذلك هناك أيضاً جهود تبذل لتقليص الفترة الزمنية التي تستغرقها عملية تصنيع اللقاح، فحالياً يتم تطوير اللقاح في بيض الدجاج بمعدل جرعة لكل بيضة، وتجري الشركات اليوم تجارب لتسريع العملية ما سيسمح للسلطات الصحية بتفادي المرض خلال وقت مبكر. وفي هذه اللحظة تسعى العديد من شركات الأدوية إلى تطوير لقاحات انطلاقاً من زراعة الخلايا، ولأن الولايات المتحدة لم تسمح بعد بممارسة هذه التقنية تتجه الشركات لإجراء تجاربها في أوروبا، وعن هذه الجهود يقول "أندرين أوسوالد" مدير إحدى شركات الأدوية تلك "إن إنتاج اللقاح من الخلايا بدل استخدام البيض يقلص الفترة بشهر تقريباً"، مضيفاً أنه في أفضل الظروف تستطيع الشركة تطوير لقاح فعال في غضون ثلاثة أشهر، لكن مع ذلك لا يتوقع "سكوت جوتليب"، المسؤول السابق في إدارة الغذاء والأدوية الأميركية، أن تقود هذه الجهود التكنولوجية إلى حل سريع. وقد حصل الأطباء على أسلحة جديدة في معركتهم ضد الإنفلونزا نهاية التسعينيات عندما نزلت أدوية مثل تاميفلو وريلينزا إلى الأسواق، وهي تقوم بحصر البروتين المسمى "نورامينيداس" الموجود على سطح الفيروس والمسؤول عن انتشاره في الجسم، لكن وعلى غرار لقاحات الإنفلونزا تواجه عملية التحكم في البروتين الخاص بالفيروس العديد من المصاعب إذ يستغرق الوقت من شركة "روش " التي تصنع "تاميفلو" ثمانية شهور تقريباً. وبعد أن أكد مسؤولو منظمة الصحة العالمية قدرة تاميفلو ورلينزا على التصدي لإنفلونزا الخنازير انخرطت شركات الأدوية في مضاعفة الإنتاج لسد الطلب المتنامي على تلك العقاقير، إلا أنه مع ذلك هناك احتمال تطوير الفيروس قدرته على مقاومة الأدوية التي ستفقد في هذه الحالية فعاليتها العلاجية. شانكار فيدانتام ومايكل روزنولد ____________________________ كاتبان أميركيان متخصصان في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"