مازالت المجتمعات التراثية تستمد سلطتها من موروثها الثقافي القديم الذي مازال حياً في وجدانها الثقافي يمدها بتصوراتها للعالم وبأنساق القيم وبمعايير السلوك. وغالباً ما يكون تراثها مدوناً في صيغة نصوص دينية أو أدبية أو شفاهياً في صيغة روايات وسير وأمثال عامية. يستشهد به الناس، ويعتبرونه سلطة واجبه الإشباع إما لتبرير مواقفهم للرضا والاستسلام لكل ما يجدون أنفسهم فيه من أوضاع اجتماعية بعد أن كشف لهم الموروث الثقافي مصيرهم، أو للثورة عليها كما تقتضي ذلك تجربة الشعوب التي دونتها الأمثال العامية وسير الأبطال. لذلك تصف بعض الأمثال العامية ما هو كائن بينما يُحدد البعض الآخر ما ينبغي أن يكون. فالمثل العامي ليس فقط تقريراً لواقع ولكنه أيضاً وضع لمعيار. لذلك يتفق البعض منها مع الشرع بينما يختلف معه البعض الآخر. فالشرع أيضاً إقرار للواقع والفطرة وفي الوقت نفسه تطوير لهما نحو الكمال لتحقيق ما ينبغي أن يكون. وهذا ما يفسر أيضاً بعض التناقض بين الأمثال العامية. وهو ليس في الحقيقة تناقضاً لأن الحياة أيضاً تفرض أحياناً سلوكاً متشابهاً ومعقداً. فالأخلاق مواقف وليست عقلية. ومنطق الحياة لا يقوم على الاتساق كما هو الحال في المنطق العقلي الصوري بل قد يقوم أحياناً على التناقض والتعارض والتضاد، وإثبات الشيء ونقيضه في آن واحد.
وهناك بعض الأمثال العامية في صيغة المؤنث ولكنها لا تتعلق بصورة المرأة على وجه الخصوص بل المرأة والرجل على حد سواء أو الإنسان بصرف النظر عن الجنس. ويدل ذلك على أن المرأة هي الجنس الأعم وأن الرجل هو النوع الداخل تحت الجنس. وهذا عكس ما هو شائع في اللغة العربية من الإشارة إلى المرأة بصيغة المذكر على التغليب. المرأة في الذهن الشعبي تسبق الرجل وعنوان له. قد يكون المثل على لسان المرأة من حيث الشكل اللغوي أو ضرباً للمثل بها. ولا يتضمن صورة المرأة على وجه الخصوص. بل ينطبق على المرأة وعلى الرجل على حد سواء. قد تكون الصيغة مؤنثة والمقصود المعنى المجازي الذي يشمل الرجل أيضاً أي الإنسان وليس المعنى الحرفي الخاص بالمرأة. المؤنث هنا له دلالة عامة على المؤنث والمذكر على حد سواء. وهناك أمثلة أخرى قد تشير إلى المرأة عن طريق العند أو العكس أو القلب. فالحديث عن الرجل قد يتضمن حديثاً عن المرأة عن طريق السلب. كما أن الحديث عن الزوج قد يتضمن حديثاً عن المرأة عن طريق الإضافة. وأحياناً يموت التمايز في المثل نفسه بين الرجل والمرأة بصيغتين متمايزتين، الأولى للمؤنث، والثانية للمذكر. ولكن الغالب هو الشكل الأول، الإشارة بصيغة المؤنث إلى المذكر وكأن المؤنث أصبح الدلالة العامة على الإنسان.
ويتكرر بعض الأمثلة إما بالصياغة نفسها أو باختلاف وفروق بسيطة مما يدل على تواترها أو على نشأتها في ظروف متشابهة. فالطبيعة البشرية واحدة تتجلى في توارد الخواطر والأفكار والأمثال والتشبيهات ليس فقط داخل شعب واحد بل عند عديد من الشعوب. وقد يساعد رصد هذه الأمثال المتوافقة عند الشعوب على معرفة الطبيعة البشرية الواحدة عبر الشعوب والأقوام ومن خلال العصور والأزمان. ومع ذلك هناك أمثلة أكثر دلالة من أمثلة أخرى نظراً لاختلاف الظروف الاجتماعية من عصر إلى عصر. فما كان دالاً في الماضي قد لا يكون دالاً الآن، كما تختلف الأمثال فيما بينها من حيث القوة والضعف، الوضوح والغموض، المباشرة والتوسيط.
ويمكن تصنيف الأمثال العامية عن المرأة لمعرفة صورتها إلى عدة صور تبدأ من المرأة كفرد أنثى لها جمالها البدني ولها شخصيتها وبناؤها النفسي حتى المرأة العاملة التي لا وجود لها. وما بينهما تظهر صورة المرأة في مكانها الطبيعي، الزوجة الواحدة أو المتعددة، والمطلقة، والخليجية، والأم، والابنة، والأخت، والحماة، والقريبة، والخادمة التي تعمل للأسرة، والغائبة التي لا عمل لها في المجتمع.
الأنثــى: وتصور بعض الأمثال القليلة قيمة المرأة كموجود جمالي في حد ذاته بصرف النظر عن الوظيفة الاجتماعية التي يؤديها الجمال من أجل أن تصبح المرأة زوجة. فالجمال قيمة فردية مطلقة في المرأة وليس لها بديل آخر في زوج أو ولد "اللي ما يغلّيها جلدها ما يغلّيها ولدها". فالجلد هنا رمز على ما هو خاص بالمرأة وما يلتصق بها. الجلد هو الشخص. لذلك كان النعيم والعذاب في الجلد عن طريق اللمس. كما أن العشق لا يكون إلا للجمال المطلق مثل جمال القمر الذي طالما ضرب به المثل لجمال المرأة - الأنثى في الأغاني والمواويل الشعبية "إن عشقت اعشق قمر، ون سرقت اسرق جمل". فالجمال من عظائم الأمور، يدفع الإنسان إلى نيل الحد الأقصى وإظهار الطموح والرغبة في التفوق ونيل الكمال. الجمال هنا هو الكمال. وهو مثل "اعشق غزال وإلا فضها". والجمال الطبيعي قد يحتاج أيضاً إلى التزيُّن من صنع الأنثى طبقاً للأعراف والعادات الاجتماعية كما تفعل العروس يوم الزفاف "العروسة في صنيفها وأهل المحلة متحففة". فالأولى هو أن تتحفف العروس وتتجمَّل وتتزيَّن لا أن يفعل ذلك أهل القرية بلا من