تحاول الحكومات الوطنية عبر العالم تحديد سياساتها تجاه ارتفاع حرارة الأرض، وذلك استعداداً لمؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ، المقرر عقده في كوبنهاجن نهاية العام الجاري. غير أنه في أماكن كثيرة أيضاً، يبدو أن الجهود تراوح مكانها. فهنا في أستراليا، على سبيل المثال، قررت الحكومة الأسبوع الماضي إرجاء اتخاذ أي إجراء حقيقي لعام آخر بسبب الركود الاقتصادي، كما أضعفت عناصر رئيسية مما يسمى مخطط مقايضة الانبعاثات، خاضعة بذلك لضغوط قطاع الفحم، الذي يعد أكبر مصدِّر في البلاد، وملوثين كبار آخرين. وبالمقابل، تساهم إدارة أوباما في واشنطن بشجاعة في تمرير مشروع قانون في الكونجرس، من شأنه أن يحدد أخيراً سقفاً لانبعاثات غاز الكربون في الولايات المتحدة. مشروع القانون، الذي تقدم به النائبان "الديمقراطيان" هنري واكسمان وإدوارد ماركي، يحظى بدعم معظم المنظمات البيئية ويمثل ثمرة لسنوات من العمل النضالي داخل "اللوبيات". غير أنه إذا تأكدت صحة التسريبات الصادرة عن اللجنة، فقد جرى تخفيف كثير من أحكام ومقتضيات مشروع القانون نتيجة لتنازلات مقدميه. ومن الواضح أن هذه التنازلات ضرورية لتمرير مشروع القانون، إلا أنها قد تحد أيضاً من سرعة وقوة وقع التشريع. والمشكلة تكمن في أن الفيزياء والكيمياء لا تغيران خططهما حتى تكون متناغمة مع ما يناسبنا سياسياً واقتصادياً. ذلك أن كل أسبوع يأتينا بأخبار جديدة عن انهيار الكتل الجليدية الضخمة وانتشار الجفاف. وفي هذا الإطار، قالت دورية "نيتشر" العلمية في قصة غلاف عددها للتاسع والعشرين من أبريل "إن عدداً متزايداً من العلماء يتفقون على أن تحدي ثاني أكسيد الكربون أعظم وأكبر مما كان يعتقد من قبل". وبينما تزداد السياسة بطئاً، يزداد ارتفاع حرارة الأرض سرعة. والمشكلة ليست ضعف المسؤولين وعدم فعاليتهم. فأوباما يتوافر على فريق أحلام يضم ثلة من المختصين والخبراء: "كارول براونر" المسؤولة المخضرمة بوكالة حماية البيئة في عهد إدارة كلينتون مساعدةً لأوباما في مجال الطاقة وتغير المناخ، و"جون هولدرن" عالم الفيزياء بجامعة هارفارد كبير المستشارين العلميين، و"ستيفن تشو"عالم الفيزياء الحائز على جائزة نوبل وزيراً للطاقة، والناشط "فان جونز" منسقاً للوظائف الخضراء في البيت الأبيض. كما أن المشكلة لا تكمن في أن المنظمات البيئة لا تبذل ما يكفي من الجهود؛ فالحقيقة أنني لم أرهم يعملون بتفانٍ وجهد مثلما رأيتهم مؤخراً، إضافة إلى جهود "اللوبيات" في العواصم عبر العالم. إن المشكلة بسيطة جداً وتكمن في حقيقة أن الحركة البيئية ليست كبيرة بشكل كافٍ. فقد اتخذت الحركة حجماً يتناسب مع أهدافها الأولية مثل إنقاذ الحيتان، وإنشاء المنتزهات الوطنية، وإجبار شركات صناعة السيارات على المساهمة في جهود الحد من التلوث الجوي. وبالتالي، فهي ليست كبيرة بما يكفي لانتقاد قطاع الوقود الأحفوري، الذي يعد أكبر لاعب في اقتصادنا العالمي. والأمر أشبه بإرسال إدارة الأغذية والعقاقير لخوض الحرب في أفغانستان. وشركة إيكسون موبل، على سبيل المثال، حققت العام الماضي أرباحاً أكبر مما حققته أي شركة أميركية في تاريخ المال، وهو ما يمنحها قوة أكبر من كل المنظمات المدافعة عن البيئة مجتمعة. ولهذا أقول إنه إذا كان مؤتمر كوبنهاجن سيكون كارثة، فيتعين أن ننشئ حركة أقوى، عبر العالم كله، وبسرعة. يبدو ذلك رومانسياً ومثالياً، ولكنه ربما ليس كذلك. أنا هنا في أستراليا أعد الناس لحملة جديدة تدعى 350.org، أما أصل التسمية، فقد أخذناه من أهم عدد في العالم، عدد لم يتمكن العلماء من تحديده إلا قبل نحو 18 شهراً: إنه كمية تركز ثاني أكسيد الكربون في الجو التي يقول العلماء اليوم إنها تمثل الحد الأقصى الآمن بالنسبة للكوكب، حد أقصى تجاوزناه بالطبع، وهو ما يفسر بالضبط ذوبان القطب الشمالي وانتشار الحرائق في أستراليا. إن مخططنا بسيط، حيث طلبنا من الناس حول العالم، عبر موقعنا على "الإنترنت"، تنظيم أنشطة في الرابع والعشرين من أكتوبر - من جبال الهمالايا، إلى الحاجز المرجاني العظيم، ومن جزيرة الفصح في المحيط الهادي إلى مدن أميركا الداخلية - في محاولة لأخذ ذلك العدد وترسيخه في مخيلة الإنسان. وإذا نجحنا، فإن ذلك سيساعد العالم على إدراك حقيقة أن الأمر لا يتعلق بمشكلة مستقبلية نملك ترف وضعها جانباً إلى حين تحسن الظروف، وإنما بمشكلة طارئة ومستعجلة تهدد كوكب الأرض وتتطلب رداً عالمياً عاجلًا وقوياً. ورغم أن 350 جزء في المليون عدد لا يفهمه إلا القليلون، إلا أنه يعني الشيء نفسه في دلهي والصين وملبورن وواشنطن. وحتى الآن، تم الإعلان عن الاستعداد لتنظيم أكثر من 700 نشاط في نحو ثلث بلدان العالم. وفي هذا الإطار سيكون ثمة 350 دراجاً سينطلقون في رحلة يقطعون خلالها 350 كيلومتراً، و350 من رياضيي ركوب الأمواج في شاطئ كل مدينة مشاركة، و350 غواصاً في الحاجز المرجاني العظيم. الأخبار القادمة من عواصم العالم تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أننا في حاجة لأكثر من جهود الضغط التي يقوم بها الناشطون المدافعون عن البيئة للحصول على التغييرات التي يطالب بها العلم. ولهذا، فإننا في حاجة إلى حركة تمنح هؤلاء الناشطين القوة التي يحتاجونها. ولكننا لا يمكن أن نحقق ذلك إلا عبر اتحادنا وتكاتفنا. بيل ماكيبن باحث بجامعة ميدلبري الأميركية ومؤسس حركة 350.org ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست