زملائي في مراكز البحث والجامعات القريبة من واشنطن، يكررون لي أن الجو في هذه المدينة مشحون مع استقبال أوباما لزعماء الشرق الأوسط: من الملك عبدالله إلى نتانياهو إلى الوفد المصري ثم أبومازن. فالحقيقة أن هذا هو أول اختبار حقيقي للسياسة الخارجية الأميركية في عهد أوباما. أما بالنسبة لموضوع الشرق الأوسط، فهو في نظرهم، مليء بالخلافات والنزاعات حتى داخل الصفوة الحاكمة في واشنطن، ومليء بالألغام في المنطقة نفسها. وأول هذه الألغام هو اضطرار الإدارة الأميركية للتعاون مع حكومة يمين إسرائيلية حيث يمثل نتانياهو أكثر الاتجاهات المتطرفة. لكن كل شيء نسبي بالطبع، فهي حكومة لا تود أن تلتزم بما اتفق عليه حتى بوش وأولمرت وعباس في سنة 2007، من أن الطريق لحل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني هو ارتكازه على مبدأ الدولتين. أي أننا نتراجع حتى فيما يتعلق بالمبادئ العامة، وبالمقارنة حتى مع إدارة بوش. ويعتقد زملائي أن مبدأ الالتزام بالدولتين سيتم قبوله في النهاية، لكن بعد مساومات طويلة وفي مقابل ثمن: مزيد من القيود على سلطات هذه الدولة الفلسطينية، ثم مزيد من التعهدات والمنح الأميركية للدولة العبرية. إلا أن ما يشغل زملائي في بنوك التفكير في واشنطن ليس فقط موضوع النزاع العربي-الإسرائيلي، فعناصر هذا الصراع معروفة حتى ولو كانت صعبة الحل، مثل عودة اللاجئين في مقابل يهودية الدولة، أو الإصرار على وجود المستوطنات في مقابل مبدأ الجلاء عن كل الأراضي العربية طبقاً لقراري 242 أو 338، أو القدس كمدينة موحدة وعاصمة لإسرائيل وإصرار الفلسطينيين على أن تكون عاصمتهم أيضاً. لكن الموضوع الذي يعتبر جديداً بعض الشيء هو توجه أوباما إلى القاهرة لتوجيه خطاب، ليس للمصريين فقط، أو العرب عامة، بل إلى العالم الإسلامي ككل. وحسب ما أسمعه من زملائي الأميركيين أو الأميركيين العرب، فإنهم لا زالوا منقسمين فيما يتعلق بقرار أوباما اختيار مصر للتوجه إلى العالم الإسلامي، فالبعض كان يُحبذ أندونيسيا التي عاش فيها أوباما فترة من صباه، كما أنها من أكبر الدول الإسلامية سكاناً. ولكن البعض الآخر يرى أن أندونيسيا -رغم حجمها الجغرافي- لا تزال هامشية بالنسبة للعالم الإسلامي والذي لا تزال ركيزته العالم العربي، ولذلك يجب أن يتحدث أوباما من عاصمة تتكلم لغة القرآن الكريم ولغة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تكون الاستفادة أكبر عندما تكون هذه العاصمة العربية مركزا لإشعاع إسلامي ثقافي على مر التاريخ، كما هو الحال بالنسبة للقاهرة مقر الأزهر الشريف. إن قرار أوباما ومستشاريه بالاستقرار على اختيار القاهرة، لم ولن يحسم الجدل الدائر في واشنطن وخارجها وحتى في المنطقة العربية نفسها، لكن الجدل يتحول الآن إلى مضمون الخطاب الذي سيوجهه أوباما إلى العالم الإسلامي، كيف يكون هذا الخطاب متوازناً ومحدوداً كذلك. فهو يجب أن يصر على احترام حقوق الفرد والتحول الديمقراطي بدلا من تدعيم النظم السلطوية في العالم الإسلامي. لكنه يجب أيضاً أن يبتعد عن الظهور بمظهر تصدير القيم الأميركية وممارسة "الغزو الثقافي" بعد الغزو العسكري. كما أن هذا الخطاب يجب أيضاً أن يكون محدداً، بمعنى أن يتعدى ترديد المبادئ العامة والمعروفة في التسامح والمصالح المشتركة، لاقتراح أسس إجرائية أو تنفيذية لمشاركة حقيقية بين العالم الإسلامي وأميركا الجديدة، أي أميركا ما بعد سبتمبر 2001، وما بعد المحافظين الجدد الذين "عسكروا" العلاقة بين واشنطن والعالم الإسلامي... أميركا المنفتحة على نظام دولي متعدد الأطراف والتشاور بينها بدلا من الانفرادية في اتخاذ القرار. فلنتأمل خطاب أوباما إلى العالم الإسلامي في الأيام القليلة القادمة، فقد يكون أول مؤشر -إذا نجح- على سياسة خارجية جديدة، فهل فعلا ينجح أوباما؟