قمت بزيارة إلى مقر شركة (دو كو مو) اليابانية للهواتف النقالة عندما كنت في طوكيو منذ 10 أيام، كان مرافقي في بعض أجزائها روبوت من صناعة شركة هوندا، كان يتصرف معي وفقا للتقاليد اليابانية الأصيلة بما فيها الانحناء في أدب جم في بعض المواقف. بيد أن زيارتي إلى ذلك البلد تزامنت مع وقوع هجوم انتحاري آخر ضد قواتنا الموجودة في العراق دفعني إلى التساؤل: لماذا يقوم اليابانيون بتحويل الروبوتات إلى بشر، في حين تقوم الفرق الانتحارية المسلمة بتحويل البشر إلى روبوتات.
الإجابة في جزء منها ترتبط بالتفاعل بين الثقافة وبين الموارد الطبيعية. فمن المعروف أن هناك دولا مثل اليابان وكوريا وتايوان والصين تتمتع بموارد طبيعية محدودة (كالنفط على سبيل المثال). لذلك كانت الخطوة الأولى التي قامت بها تلك الدول في العصور الحديثة هي النظر إلى الداخل، وتقييم أوضاعها، ومحاولة التعلم بقدر الإمكان من الأجانب، ثم التفوق عليهم في ملعبهم أو في الأشياء التي يتفوقون فيها. ولكي تقوم بهزيمة الأجانب، فإن تلك الدول ذهبت إلى حد طرح عداوتها التاريخية جانباً، حتى تستطيع كل واحدة منها أن تستثمر أموالها لدى الأخرى، وتستفيد من كافة منافع التجارة الحرة.
أما العالم العربي، فقد ابتلي للأسف بلعنة النفط. فلعقود طويلة من الزمن، اختارت دول عربية كثيرة أن تنقب في كثبان الرمال بحثا عن النفط من أجل تحقيق النمو، بدلا من أن تقوم بالتنقيب داخل شعوبها من أجل الاستفادة بطاقاتها الكامنة، وإمكانياتها الإبداعية، وقدراتها الذهنية، وروح المبادرة العملية لديها. والدول العربية- على العكس من اليابان وكوريا- نادرا ما تتبادل التجارة مع بعضها بعضا ، كما أنها نادرا ما تخترع أو تحصل على براعة اختراع لأي شيء. وعلاوة على ذلك فإنه بدلا من قيامها بالنظر إلى داخلها، وإجراء تقييم لجوانب القصور في جهودها التنموية، واستيعاب أفضل ما هو موجود في التقنيات الحديثة، ثم السعي بعد ذلك لهزيمة الغرب في ملعبه وفي المجال الذي يتفوق فيه.. فإن العالم العربي قام في معظم الأحوال بعزل نفسه، ولجأ إلى إلقاء اللوم على الصراع العربي الإسرائيلي المستمر، أو على الاستعمار، واتهامهما بأنهما كانا السبب في تعطيل الإصلاحات، أو القيام بدلا من ذلك بالافتخار بانتصارات تتم بأكلاف بشرية باهظة مثل انتصار الفلوجة.
لا أنكر أن هناك استثناءات.. وأن هناك دولا مثل الأردن والبحرين والإمارات والمغرب وتونس تنخرط جميعها الآن في تجارب تحديث حقيقية. بيد أن المشكلة هي أن الدول الأكبر حجما قد ضلت الطريق. فمنذ أسبوع تعرضنا مرة ثانية إلى اتهامات سعودية فحواها أن (الصهاينة) يقفون وراء الهجوم الأخير الذي وقع في مدينة ينبع، لأن المسؤولين السعوديين يعتقدون أن الصهاينة وليس غيرهم هم المستفيدون من مثل تلك الأعمال.
وعلى رغم أن فريق بوش قد أحال الوضع في العراق إلى حالة من الفوضى، إلا أننا يجب أن نقول إن الأمراض التي يعاني منها العالم العربي قد ساهمت هي الأخرى في وصول الأمور إلى هذا الوضع. الدليل على ذلك هو الابتهاج الشديد الذي تبديه وسائل الإعلام العربية، وهي ترى العراق وقد تحول إلى أشلاء تشتعل فيها النيران. لقد حان الوقت للعالم العربي كي ينضج، ويتوقف عن الرقص على حطام عربات الجيب الأميركية مدعيا أن ذلك يمثل نصرا ما للإسلام.
أعود فأقول، إن فريق بوش قد أحال الوضع في العراق إلى حالة من الفوضى، وأن ما حدث في سجن أبو غريب سوف يظل وصمة عار دائمة تلطخ قيادة البنتاجون.. ولكنني مع ذلك، أود أن أطلعكم على ما عرفته من خلال زيارتي للعراق: إن الجنود الأميركيين هناك قد قاموا بمليون عمل من أعمال الرفق والكرم والنوايا الحسنة مع المواطنين العراقيين خلال العام الماضي. وللعلم فإن الدافع الوحيد لتلك الأعمال، كان الرغبة في منح العراقيين أفضل فرصة أتيحت لهم على الإطلاق، من أجل إقامة حكومة لائقة، وصنع غدٍ أفضل.
ولست أنا الوحيد الذي يعرف ذلك، وإنما هناك العديد من العراقيين والعرب ممن يعرفونه أيضا.
صحيح أنه يتوجب علينا نحن الأميركيين أن ننظر إلى المرآة كي نرى لماذا أصبح الآخرون ينظرون إلينا كما لو كنا أمة حاملة للعدوى، ولكن يجب أن نعرف أيضا أن العرب بحاجة إلى أن يفعلوا الشيء نفسه.
"إن العرب يستخدمون الأخطاء التي نقع فيها كي يتجنبوا التغيير والإصلاح والتحديث". هذا ما قاله لي (ستيفن بي. كوهين) الخبير في شؤون الشرق الأوسط تعليقا على ذلك . كما أخبرني سياسي عراقي كبير أنه قد استقبل مؤخرا مجموعة من الصحفيين الإيرانيين الزائرين في منزله. وأنه بينما كان هؤلاء يهمون بالمغادرة همست صحافيتان إيرانيتان شابتان كانتا ضمن المجموعة في أذنيه قائلتين:"نرجوك أن تنجح في مهمتك من أجلنا". لقد كانتا تعرفان أنه إذا ما استطاع العراقيون فعلا إقامة حكومة لائقة وديمقراطية، فإن ذلك سيمثل ضغطا على النظام القائم في بلدهما، يدفعه إلى البدء في التغيير. لعل ذلك تحديدا هو السبب الذي يجعل الأنظمة في ب