قامت منظمة الوحدة الأفريقية في أديس أبابا بمشاركة 33 دولة في 25 مايو 1963، وهو اليوم الذي أعلن عيداً سنوياً عاماً على مستوى القارة منذ ذلك الحين. ولذا تحاول ليبيا إعلان يوم آخر للوحدة الاتحادية في 9/9/1999، وهو اليوم الذي أعلن فيه دعم فكرة "الولايات المتحدة الأفريقية" التي قدمها العقيد القذافي للرؤساء الأفارقة في "سيرت" في أحد أعياد الثورة الليبية لتضم (التسعات الخمس) رمزاً دائرياً للوحدة الأفريقية. ولكن الأفارقة شتتوا الفكرة بإعلان قيام الاتحاد الأفريقي من دولة أخرى (موزمبيق) عام 2002 وإعلان دستوره في بلد ثالث (توجو). ولذا عاد الجميع إلى التمسك بيوم أفريقيا الأساسي، 25 مايو راجعاً إلى عام 1963. ومنذ بضع سنوات، تشارك جامعة الدول العربية مفوضية الاتحاد الأفريقي في احتفال مشترك بهذه المناسبة وخاصة في مقر الجامعة بالقاهرة، مضيفة على اليوم بهجة ذكرى الوحدة، وآلام واقع القارة، مما يجعل واقع هذا اليوم –تاريخاً وحاضراً- ذا معنى جدير بالتحليل. ففي مايو 1963، كان ثمة التقاء أكثر من تيار قوي على أرض القارة عقب موجة الاستقلال السياسي فضلا عن معاني التحرر الوطني، ومن خلال هذين التيارين برز دور مجموعة الدار البيضاء "التحررية" ومجموعة دول منروفيا "المحافظة". كانت مجموعة الدار البيضاء أقلية في العدد، لكنها كانت ذات قوة وهيمنة ملحوظة نتيجة ثقل عبدالناصر ونكروما وغيرهما، بينما كانت المجموعة الأخرى أغلبية حيث "الاعتدال" تهمة يتوجب محاولة الفرار منها! وكان أي ترتيب "إقليمي" لغرب أو شرق القارة متهماً بتفتيت الوحدة، كما كان الانتماء لتنظيم آخر ذي طابع دولي جالباً بدوره للاتهام! وفي أديس أبابا، استقر الرأي على أنه مهما كان التنوع في الرأي بين هذه المجموعة المستقلة حديثاً –في معظمها- فإن الانتماء لأرض القارة يظل الاعتبار الحاكم، والوحيد تقريباً. لم يكن صدفة أن اجتمع مؤتمر القمة الأول لمنظمة الوحدة الأفريقية بالقاهرة في يوليو 1964. وهو نفس العام الذي اجتمعت فيه كلمة العرب أيضاً بعقد القمة العربية الأولى للجامعة، كما اجتمعت قمة دول عدم الانحياز، وقمة الدول النامية المسماة حتى الآن بالمجموعة 77 وإن زاد عددها. ولا شك أن هذه الاجتماعات بقدر ما يسخر البعض منها أحياناً أو يقلل التكنوقراط من فائدتها، فإن دلالتها الجماعية لا يمكن إنكارها، بدليل ما شكلته داخل توازنات الاستقطاب العالمي، وما حققته من عوائد لعديد من النظم القائمة سواء باتجاه التحرر أو اتجاه التنمية. وفي ذلك يمكن أن يقال الكثير... ويأتي يوم أفريقيا الآن، بهذه الاحتشادات لمواجهة أزمة عالمية تهز الدول الكبرى، وليس فقط حالة جزئية في العالم للدول المستقلة حديثاً مثلما كان الحال من قبل. مثَّل عام 1963 لقاء كتلة عربية من شمال القارة وأخرى أفريقية جنوب الصحراء، ولكن نكسة 1967 قضت على أحلام كثيرة في مجال العلاقة بين الكتلتين، ولم تنتعش نسبياً إلا بعقد القمة العربية- الأفريقية الأولى 1977. ومع نكسة كامب ديفيد أول الثمانينيات ومعها الكساد المالي لعالم البترو دولار، عاد التعاون للركود. وقد كادت الروح أن تدب فيه في هذا العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، إلا أن الأزمة المالية العالمية، تواجهه بالضربات التي بات علينا أن ننقذه من آثارها "المميتة"... كيف؟ في انتعاشة العلاقة بين الجامعة العربية والمفوضية العامة للاتحاد الأفريقي، نشهد منذ عامين احتفالا ملحوظاً بيوم أفريقيا من كل عام يستنشق فيه البعض رائحة عودة إحياء التعاون العربي- الأفريقي. وقد شهد هذا العام محاولة أعمق للتباحث في الأمر، بل وتلميحاً إلى احتمال انعقاد القمة العربية- الأفريقية أواخر هذا العام. في مقر الجامعة، جاء خبراء وصناع سياسة للاستماع إلى عروض متميزة لاثنين من خبراء المنطقة العربية قدما تقريرين على قدر كبير من الأهمية والحاجة للنشر الواسع. أحدهما للدكتور يوسف الحسن مدير المعهد الدبلوماسي بالإمارات العربية المتحدة، والآخر للدكتور محمود جبريل الوزير الليبي السابق. عالج الدكتور يوسف، ظروف صعود وهبوط حركة التعاون العربي- الأفريقي، وأساليب الإمساك بلحظة النهوض الناشئة الآن مرتبطة بتقدم إدراك عديد من جوانب التوحد وخاصة على الجانب الأفريقي، ما دام تطلع الجميع ما زال مربوطاً بالنموذج الشمالي في أوروبا. حاول د.الحسن أن يحلل عيوب التمسك "بالطارىء" في عملنا، أو التوقف عند القوالب الجامدة، وأثر تجاهل البعد الثقافي، وحمل المسؤولية للإدارة السياسية أو قل الإرادة السياسية في درس الماضي، ليمكننا عبور الرؤى العرقية والجغرافية ومآزق التاريخ السابق إلى مستقبل مختلف. ولم ينس بالطبع مسؤولية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في مواجهة تحديات التنمية والأمن والاستقرار في منطقة واسعة لتطوير أوجه التعاون الشامل، في الاقتصاد، والمجتمع المدني والثقافة. وقد قدرت لدى الباحث الإماراتي هذا الوعي العالمي بأحوال المنطقتين، وأظن أني ذكرته مع آخرين ببداية "معركة التعاون" في أول مؤتمر عن التعاون العربي- الأفريقي عُقد بالشارقة عام 1976، ويومها وجه حاكم الشارقة بتسمية قاعة المجلس البلدي الكبيرة بقاعة أفريقيا. ولذا تمنينا على الدكتور "الحسن" أن يعيد التذكير بهذه الروح في الشارقة، علنا نبعث علاقات مؤسسية بين المثقفين العرب والأفارقة مرة أخرى. أما صديقنا الاقتصادي النابه د. محمود جبريل، فقد قدم ورقة مهمة أخرى عن الأزمة الاقتصادية العالمية وأثرها على البلدان العربية والأفريقية في دروسها المستفادة وآفاقها المستقبلية، كما نبه فيها لأثر تحالف رأس المال والتكنولوجيا في عصر المعرفة، وليس مجرد التطور المالي التقليدي. وفظاظة احتكار رأس المال على مستوى عالمي، وكيف يحتكر عدد محدود من الشركات العالمية مؤشرات الاقتصاد في العالم، بما يجعل الثروات العربية والأفريقية محدودة القيمة. ثم عرج على أزمة الدول الفقيرة المتفاقمة الآن، وكيف أنها ستحتاج مثلا إلى 270 مليار دولار في العشر سنوات القادمة لتعود حالتها إلى مستوى ما قبل الأزمة! كانت جمله القصيرة الحادة أقوى من الإنذار، لكنها تظل مثيرة لمسؤوليات جديدة أمام مؤسسات التعاون العربي- الأفريقي. دفعني هذا إلى القول إننا نناشد المسؤولين العرب أن يفكروا معنا في دراسة عقد ملتقى مشترك نحاول فيه تجنب آثار الانهيار بكتلة عربية- أفريقية ذات صدى بين كتل بلدان الجنوب، وذلك يتطلب النظر في الحد من تعقيدات المؤسسات، التي شهدتها الموجة الأولى للتعاون، والنظر في مسؤولية الدول الإقليمية الكبرى، عربية أو أفريقية في هذا التجمع وأخذ التنمية الثقافية في الاعتبار.. عندئذ يمكن البدء بالسؤال... نكون أو لا نكون؟