يتربص بعض المتابعين من عالمنا بتحركات "أوباما" وخطاباته الآسرة ساعة الهنة أو الزلة، حتى يثبت بالدليل القاطع أن الفرق الوحيد بين أوباما وسلفه بوش هو في اللون، فهذا أسود وذاك أبيض، أما البقية فهي فروقات في استخدام المصطلحات مع التمسك بكل ما فات. أحد المحللين الغربيين في تعليقه عن المتوقع من أوباما تجاه العالم العربي والإسلامي يقول "لن يستطيع أوباما أن يفرض خطة، ولكنه يستطيع القيادة من المقدمة، وإذا حاول أن يفعل ذلك فإنه سيكون قد فعل الكثير من أجل استعادة موقع الولايات المتحدة ونفوذها حيث الحاجة إليها في أوجها، بالعالم الإسلامي". وقد يظن البعض أن بوش كان يمارس القيادة من المؤخرة وهو ظن في غير مكانه، لذا نرى أن الفارق في طريقة القيادة أيضاً من المقدمة، فبوش كان يمارس أقصى درجات التهور، أما أوباما، فلا نرى فيه إلى الآن غير التأني الذي فيه السلامة، مع أنه يمارس السياسة وفقاً للكاريزما الخاصة به، إلا أن الوصول لمرحلة التهور قد تحكمه ظروف الأحداث الراهنة للمستجدات الآنية. وبما أننا نتكلم عن نمط القيادة فكلا الرئيسين كانا يمارسان القيادة من المقدمة ولم يتقدم إلى الآن رئيس دولة أخرى لأخذ زمام المبادرة أو سحبها من تحت البساط الأميركي. وبناء عليه ستبقى أميركا لعقود قادمة هي القائدة من المقدمة حتى وإن تغير الأسلوب إلى نوع من الشراكة والحوار مع الآخرين سواء من المخالفين أو المتفقين على الخطوط العامة وإن اختلفت التفاصيل. أما في الشرق حيث قضى أوباما جزءاً من حياته في إحدى المدارس بإندونيسيا، فإن مارينا ابنة الرئيس الماليزي السابق مهاتير محمد تقول إن على أوباما أن "يجعل الكلمات تمشي" وهو الجزء المثالي المطلوب منه تحقيقه وفقاً لنظرية مطابقة الأقوال للأفعال وترجمتها حرفياً، وهو ما يتنافى مع قواعد اللعب في السياسة، فهنا يرتفع سقف التوقعات من أوباما إلى درجة لا يمكن تحقيقها لدى المطالبين بها أنفسهم، وهنا تقع الإشكالية في قمة تناقضاتها. ونعود إلى الكلمات التي يراد لها أن تمشي على الأرض، والتي تلقى في هيئة خطابات سياسية قد تتبخر مباشرة بعد الانتهاء منها، وهذا واضح في حالة العالم الثالث لأن دولة المؤسسات فيها غائبة، أما في أميركا وغيرها من الديمقراطيات فإن الرئيس لا يستطيع تنفيذ كل ما يقوله أو يعد الآخرين به بمفرده لأن من ورائه ألف حسيب ورقيب، ولذا فالفعل المراد تطبيقه أو تحقيقه لابد أن يمر عبر القنوات الرسمية لصناعة السياسات وليس منها القناة الشخصية مهما كانت العلاقة بين قائد وآخر حميمة فمصلحة الأمة هي الحكم والخصم هنا في آن واحد، فيأتي زعيم ويذهب آخر ولكن تبقى المؤسسة الحاكمة هي الخالدة. ونوضح هذه النقطة حتى لا يذهب البعض بوصايته على الآخرين بعيداً في ظنونه، فالقائد الملهم لا وجود له في أميركا المؤسسات، والكلمة الفصل لا يملكها حتى إذا وجد، لأن ميزان القيادة لا يتناسب حجمه ووزنه مع المقاييس المطبقة في دول العالم الثالث، وهذا فرق جوهري لا ينبغي القفز عليه عند أي تحليل لتحركات القادة الغربيين في الإيجاب أو السلب، لأن الأمة هنا تملك صلاحية سحب القيادة منهم في أي لحظة. ولذا لا نستطيع أن نطالب "أوباما" بما نرغب، بل يمكن أن نطالبه بالمستطاع وفقاً لمصلحتنا وبما لا يتعارض أيضاً مع المصالح الأميركية التي يجب أن يحرص عليها قائد الأمة الأميركية مهما كانت مطالبنا عادلة.