قد يظن بعض القادة العرب أن الشعب العربي هو جنس أو عرق كما يظن بعض القوميين العرب تقليداً للنزعات القومية التي سادت أوروبا في القرن التاسع عشر بعد تفكيك الإمبراطوريات النمساوية والمجرية التي خلفت إمبراطورية شارلمان التي ورثت بدورها الإمبراطورية الرومانية. غير أن العروبة ليست عرقاً أو جنساً بل هي لغة. ليست العروبة بأب أو أم وإنما العروبة هي اللسان. فكل من تكلم العربية فهو عربي. والعرب قسمان، عرب عاربة وعرب مستعربة. وكل العرب المهاجرين إلى قارات العالم الخمس جزء من الأمة العربية، وإن عاشوا سياسياً خارج حدود البلاد العربية. والعرب ليسوا بأقل من اليهود، وهم أربعة عشر مليوناً، في العالم الذين يعتبرون أنفسهم إسرائيليين وإن لم يعيشوا داخل إسرائيل، ولديهم الهوية الإسرائيلية أو هوية مزدوجة. ويتفتح بعض أنصار العروبة اللغوية إلى العروبة الثقافية. فاللغة ثقافة، لغة قراءة وكتابة، مخاطبة وتدوين. فالعروبة لغة وثقافة. وقد انتشرتا خارج حدودهما إلى كل مناطق الجوار في أفريقيا وآسيا وفي أميركا اللاتينية وأستراليا عند العرب المهاجرين، مسلمين ومسيحيين. ولما كانت اللغة العربية حاملة للثقافة الإسلامية فقد اختلط العرب بالمسلمين مع أن العرب ليسوا كلهم مسلمين، فهناك عرب مسيحيون، وعرب يهود، يكونون نصف سكان إسرائيل تقريباً. وليس كل المسلمين عرباً أيضاً. فهناك المسلمون الإيرانيون والهنود والماليزيون والإندونيسيون والصينيون والفلبينيون والمسلمون في كل دول أواسط آسيا، والأتراك والأوروبيون والأميركيون والأفارقة على كافة جنسياتهم ودولهم. فالإسلام هو الميدان الأوسع الذي تعيش فيه اللغة العربية والثقافة العربية. وقد يظن بعض الأصوليين أن العرب هم السنة. أي إحدى طوائف الإسلام، أو أن العرب الشيعة إيرانيون. مع أن كل العرب سُنة وشيعة. وفي كل طائفة فرق ومذاهب، كالمذاهب الفقهية الأربعة عند أهل السنة، والفرق الشيعية المتعددة، الإسماعيلية والاثنا عشرية وفرقهم عند الشيعة. والعروبة إلى ذلك جوار وليست سجناً حديدياً محوطاً بالوطن العربي. تركيا في الشمال، وهي التي حكمت الوطن العربي حوالي خمسة قرون وكونت إمبراطورية في مواجهة قوى الغرب الناشئة ودافعت عن الوطن العربي. وقاد محمد علي الألباني الأصل، التركي الهوية، نهضة مصر الحديثة قبل عبد الناصر. وحاول إقامة إمبراطورية عربية مركزها مصر أثناء ضعف الإمبراطورية التركية. وتركيا تقود الآن مع سوريا ولبنان الصراع العربي/ الإسرائيلي، وتناصر قضية فلسطين، وتتوسط بين سوريا وإسرائيل لاستعادة مرتفعات الجولان. وأفريقيا في الجنوب خاصة جنوب أفريقيا وزامبيا وكل الدول التي ما زالت تقاوم الاستعمار القديم والجديد، دول ما تحت الصحراء وهي في معظمها ما زالت متأثرة باللغة العربية وبالثقافة العربية قديماً، وبالثورة العربية في أوائل الخمسينيات حديثاً. والغرب في أوروبا التي ما زالت شعوبها مرتبطة بمبادئ الثورة الفرنسية وحقوق الإنسان والقيم التقليدية الأوروبية وتقاوم حكوماتها اليمينية في إيطاليا وفرنسا وألمانيا والدانمرك وتشيكيا وغيرها. والعروبة الآن بالإضافة إلى اللغة والثقافة هي مصالح. تتجاوز العرق والدين إلى دول الجوار القريبة والبعيدة. تمتد شرقاً حتى ماليزيا وإندونيسيا والفلبين والصين وأواسط آسيا، وكوريا وهونج كونج وتايلاند وسنغافورة، حيث كانت التجارة قديماً تربط بين العرب والمالاويين. ومن خلال التجارة انتشر الإسلام. وعن طريق الحرير ارتبط الشرق بالغرب من خلال شمال العالم الإسلامي. واللغة العربية في أواسط آسيا لغة شريفة، لغة القرآن الكريم قادمة من قلب الوطن العربي. ويتبرك أهل تلك المنطقة بالعربي القاطن بجوار الحرمين الشريفين، والأزهر الشريف، والقدس الشريف، ويتكلم لغة القرآن. فالرسول -صلى الله عليه وسلم- عربي. وهم يتبعون سنة الرسول. والقمح في أواسط آسيا متوافر وقادر على أن يسد حاجة مصر إلى القمح الأميركي. والصناعات أيضاً وصلت إلى صنع الصواريخ. والمنطقة العربية تمتد أيضاً غرباً إلى أوروبا الغربية بما تحتاجه من أسواق ومواد أولية بما في ذلك النفط وعمالة ما زال الحجر عليها سارياً باسم الهجرة غير المشروعة دون مقايضتها بالسوق والنفط. والجوار الجغرافي قادر على أن يكون ظهيراً دفاعياً عن الغرب. وقد كانت الضفتان على جانب البحر الأبيض المتوسط تكونان بحيرة عربية أوروبية واحدة "بحرنا" Nostra Mare من العصر اليوناني الروماني إلى الفتح العربي الإسلامي إلى الاستعمار الأوروبي الحديث إلى الهجرات العربية إلى أوروبا، حيث أصبح الإسلام كدين ثانٍ فيها بعد المسيحية. والعرب والمسلمون غرب الأطلسي يمثلون ثلث العمالة المتخصصة في أميركا. والهجرات العربية الإسلامية جعلت آخر رئيس للولايات المتحدة الأميركية منها، حتى لو لم تصبح جماعات الضغط العربية بنفس قوة جماعات الضغط اليهودية. بل وتمتد العروبة إلى أميركا اللاتينية التي بدأت ثوراتها الحديثة مع الثورة العربية ثم تم إجهاضها. تستطيع العروبة أن تكون بؤرة قطب ثانٍ في مواجهة القطب الأول الذي بدأت علامات الانهيار فيه، بأن تطور الجامعة العربية نفسها من منظومة محلية إقليمية إلى منظومة إقليمية دولية، مع أوروبا لتشجيعها على العودة إلى قيمها في عصر التنوير، ومع آسيا في إطار نهضة الشرق. تستطيع العروبة بما لديها من إمكانيات مالية ومواد أولية وسواعد وعقول وأسواق أن تكون قلعة صناعية مثل الصين لو توافرت لديها الإرادة السياسية. الوطن العربي أكبر من الولايات المتحدة الأميركية مساحة وسكاناً، وأكبر من روسيا جغرافيا وبشراً. يمتد على قارتين، أفريقيا وآسيا، ويمثل ربع سكان المعمورة. ويكفي ما لدى العرب من رؤوس أموال وأراضٍ ومياه وسواعد في السودان لإطعام الوطن العربي كله، بحيث لا تكون هناك مشاكل في دارفور أو كردفان أو الصومال أو غيرها.