الخطاب المتميز الذي ألقاه الرئيس الأميركي أوباما في جامعة القاهرة، قد يكون خريطة طريق للعلاقات الأميركية -العربية والإسلامية للسنوات القادمة. لقد تطرق أوباما في خطابه الذي أُعد إعداداً جيداً، لأهم القضايا التي تحتاج إلى توضيح لإزالة حالة عدم التفاهم بين الجانبين. ففي بداية خطابه أوضح بأن لا عداء بين الإسلام وأميركا، مشيداً بدور الحضارة الإسلامية وتأثيرها في عصر النهضة، وتحدث عن حالة التطرف والعنف بسبب سوء التفاهم بين الطرفين، وتطرق للقضية الفلسطينية، وكيف يمكن تحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين من خلال حل الدولتين، وذكر إيران ومقترحاته لكيفية حل الخلاف حول التسلح النووي. وأكد أوباما في الشق الثاني من خطابه على أهمية الديمقراطية والحرية، خصوصاً حرية المعتقد وحقوق المرأة كأساس لقيام أي نظام سياسي مستقر. وأوضح بأن أميركا تحترم حق من يرفعون أصواتهم عالية حول العالم للتعبير عن آرائهم بأسلوب سلمي يراعي القانون حتى ولو كانت آراؤهم مخالفة لآرائها، وأكد بأنه يرحب بكل الحكومات السلمية المنتخبة، شرط أن تحترم جميع أفراد الشعب في ممارستها للحكم. ولا يتسع المجال هنا لاستعراض كل ما جاء في هذا الخطاب غير التقليدي، لكني سأحاول التطرق للقضايا والمشاكل التي ستواجهها أميركا ونحن معها في حالة محاولتنا تطبيق ما جاء في الخطاب. نحن على ثقة بأنه ليس في يد الرئيس أوباما أي حلول سحرية لحل مشاكل كل المنطقة، فالرجل كان صادقاً مع نفسه حين أوضح سياسة بلده وخطته لتطوير العلاقة مع العالم الإسلامي. ويبقى الأمر في النهاية بأيدينا كشعوب وكحكام؛ هل نحن مستعدون للتغير وتحمل تبعاته، أم لسنا مستعدين لأي شيء وسنبقى على حالنا؟ الإشكالية التي تطرح علينا هي: هل خطاب الرئيس أوباما موجه للنخبة الإسلامية المتعلمة، لأنه أُلقي على طلبة الجامعة في مصر، أم أنه موجه للشعوب العربية والإسلامية كلها، أم موجه للنخبة السياسية الحاكمة فقط؟ من يقرأ الخطاب يخرج بانطباع بأنه يحاول مخاطبة الجميع في العالم العربي والإسلامي... وهنا تكمن الإشكالية: لماذا؟ لأن كثيرين في الشارع العربي والإسلامي يكنون العداء والكراهية للولايات المتحدة والغرب، لاعتبارات كثيرة؛ أهمها الإرث الاستعماري، ومشكلة فلسطين، وفشل مشاريع التنمية، وتردي الاقتصاد... إلخ، حيث أصبح العالم الغربي، وأميركا تحديداً، الشماعة التي نلقي عليها جميع مشاكلنا، رغم كل المحاولات البارعة من جانب أوباما لتوضيح سياسة بلاده، وكونها لا تكن كراهية للمسلمين. ورغم سعيه شخصياً لتغيير الأمور وفتح آفاق جديدة للتفاهم بين الشعوب العربية والإسلامية والشعب الأميركي... إلا أن الحقيقة تبقى، وهي أن قطاعات من الشارع العربي الإسلامي مختطفة من قوى الإسلام السياسي والتيارين القومي واليساري، وهي توجهات تحمل كراهية مزمنة ضد الغرب لاعتبارات دينية وأيديولوجية متأصلة في وجدان أصحابها، وذلك على الرغم من كل المحاولات التي يبذلها العقلاء في العالم العربي والإسلامي، والداعية للتفاهم وتحسين علاقتنا بالغرب لضمان مصالحنا المشتركة معه. وأخيراً ماذا عن موقف القيادات الرسمية في العالمين العربي والإسلامي.. هل لديها الاستعداد لتقبل ما طرحه الرئيس الأميركي؟ وهل لديها النية لتغيير سياساتها تجاه الديمقراطية والحرية والمشاركة الشعبية؟ نعرف بأن بعض الأنظمة العربية والإسلامية قد رحبت بما طرحه أوباما، والبعض الآخر يشكك بأطروحات الرئيس الأميركي وينتظر منه خطوات أكثر... لكن علينا أن ننتظر اتخاذ خطوات عملية تحد من حالة التطرف والغلو في الدين وإشاعة الكراهية ضد الغرب. ونتصور بأن العالم العربي والإسلامي يمكن أن يخطو خطوة إيجابية في اتجاه مطالب الرئيس الأميركي لو ركزنا جهوداً كافية لصالح قضايا التنمية الاقتصادية وتعزيز الحرية وحقوق الإنسان في بلداننا.